في التاسع من شهر تشرين الأول/أكتوبر، تمر أربعينية أخي وصديقي الصدوق هادي منصور العذاري، وقد كان لهذا الرحيل المفاجئ وقع الصاعقة علينا وعلى جميع محبيه من الأهل والأصدقاء والمعارف، وقد كان بالنسبة لي أثره الرهيب في تحمل هذه الفاجعة،
لأنها تركت فراغاً مؤلماً ذلك لأننا كنا منذ بداية التسعينيات في حالة تواصل مستمر بشكل مباشر أو عبر الأثير وكان جزء غير قليل من أحاديثنا المتنوعة في هذه اللقاءات مناقشة الحالة المأساوية والتدهور المستمر لواقع العراق السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وكذلك الحالة المؤسفة والمؤلمة لما آلت إليه حال أمتنا العربية.لقد كانت غربتنا الاضطرارية المشتركة في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات لها طعم مر على نفوسنا، ولكنها في الوقت نفسه قد صقلت الإرادة والمثابرة فينا وأمدتنا بالقوة والقدرة على تجاوز هذه المحنة، وأعطتنا الإمكانية الاقتصادية والتوجه إلى أحد منابع الأمة العربية (الجزائر) التي عوضتنا وخففت عنا لوعة الاغتراب، وكان لها الفضل في إعادة اللقاء مع أخي الراحل وتوطيد صداقتنا وتعزيزها بعد أن وجدت في هذا الرجل الرائع أنه مازال ناصعاً وأصيلاً، برغم الزمن الطويل في الغربة وسلبياتها المؤثرة، أنه مازال حب الوطن متغلغلاً في أعماقه وكان يجد في الشعر متنفساً له في تخفيف هذه اللوعة.وصدر له ديوانان (لوعة الاغتراب) و(أهازيج شعبية) والثالث تحت الطبع، وسوف تصدر له دواوين أخرى ومنها ديوان يتغنى بالجزائر وشعبها الطيب.ويحدونا الأمل ونتمنى ان يلتفت النقاد والشعراء والمثقفون عموماً بما نشر من هذه الرزمة الرائعة تباعاً، التي منها ما يجسد معاناة وهموم المغتربين قسراً، ومنها حسرة الحنين إلى الوطن، بلاد الرافدين، ومنها خلاصات ما مر به من تجارب في حياته الغنية والمتنوعة منذ طفولته وشبابه حتى آخر العمر.ذلك لأن عزيزنا الراحل هادي منصور العذاري لم يكن معروفاً في الساحة الأدبية، لأنه لم ينشر شيئاً من إنتاجه الشعري.إن صفات النبل والشهامة وعزة النفس والإباء وكرم الأخلاق واليد، هذه الصفات التي أصبحت شحيحة في أيامنا هذه، ولكنها كانت غزيرة ومتواصلة عنده في جميع تصرفاته.إن دماثة خلقه تجدها بارزة في عمله وعلاقاته الاجتماعية حتى مع العاملين معه، أنه محب للخير والمساعدة لمن يحتاجها، أنه سخي في معاونة النشاطات الثقافية والاجتماعية منها ما يتعلق بالعراق، ومنها ما يتعلق بالجزائر.أن كل ما أسلفنا ذكره ما هو الا لمحات خاطفة عن هذه الشخصية المتنوعة والعصامية.وداعاً أيها الغالي أبا منصور.. وداعاً أيها الرجل العظيم.. ونسأل الله تعالى أن يعيننا على تحمل هذه الفاجعة.. وأن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.rnعبد القادر العياش
أبا منصور.. وداعا
نشر في: 5 أكتوبر, 2010: 05:21 م