وديع غزوانمع أن كل شيء يتعلق بالسياسة ولا ينفصل عنها، فقد آثرنا الابتعاد ولو بمسافة عن قضية القضايا في العراق ونقصد موضوعة تشكيل الحكومة، لاسيما وان موضوع الوساطة قد دخل جوانب متنوعة أخرى بعد ان كان مقتصراً سابقاٌ على التعيين حسب.. والسؤال الذي قد يتبادر في ذهن عدد منا، هو هل حقاً هناك (وساطة) مقبولة وأخرى غير مقبولة، مع انها في الحالتين تعني الاستحواذ على فرصة وانتزاعها قد تكون لولا هذا التدخل لآلت الى شخص آخر؟
وبشأن هذا الموضوع ما زلت أتذكر سعي الفقراء من الناس من أمثالنا إبان العهد الملكي، خاصة النازحين منهم من القرى والأرياف بحثاً عن فرص عيش كريم في بغداد التي كان مجرد زيارتها حلم تدور حوله قصص وحكايات، الى ان يجدوا طريقهم للوصول الى الباشا او البيك لمساعدتهم في إيجاد وظيفة (عند الحكومة) او التوسط للقبول كمتطوعين في سلك الجيش والشرطة او الرجاء من هذا المتنفذ ان يتدخل لدى البوليس السري للإفراج عن شخص متهم بقضية سياسية.. وللتاريخ لم اسمع يوماً من احد، انه وجد صعوبة في ذلك، حيث كانت طبيعة العلاقات بين بسطاء الناس وتلك الطبقات ليست بالتعقيد الذي يحول بينهم، كما اننا كنا نحفر بالصخر لنؤكد أحقيتنا في ما نطلبه من وظيفة او أي شيء آخر، حيث لم يكن لدينا ما يسندنا غير الجهد والمثابرة لشق طريقنا في الحياة وننتزع مكاناً لنا متنافسين بجدارة مع أبناء تلك الطبقات التي كانت المناصب حكراً عليهم في الغالب، وأقصى ما كان يكلفه ذلك بمقاييس ذاك الزمن، ربما كيس لبن ودجاجة وديك ومحاصيل بسيطة، حيث لم يكن الفساد، بسبب ظروف ذلك الوقت، قد بلغ هذا الحد الذي وصله اليوم في العراق وفي العالم.. لا أقصد من ذلك الدفاع عن الملكية او عن تلك الطبقات المترفة، لكنني استذكرت هذا الموضوع وأنا أعيد في مخيلتي شروط التطورات التي رافقت الوساطة منذ العهود الملكية حتى يومنا هذا، مع ما تخللها من لمسات مراحل تسلط أحزابنا (الثورية) التي ابتكرت وسائل أخرى في التعيين وحصرتها في جانب الانتماء الحزبي إليها، مثلما أبدعت في استباط طرق متطورة في التعذيب وانتزاع الاعترافات من الخصوم السياسيين.كان من السهل في العهد الملكي الرجعي والمرتبط بالاستعمار، ان تتحدث مع اي عضو في مجلس النواب.ومع كل التزوير المعروف آنذاك لعملية الانتخابات فان زعماء وأعضاء الأحزاب التقليدية في ذلك الوقت كانوا يحرصون، ولو شكلياً، على بناء علاقات متينة بالناس ويحضرون مجالسهم ويشاركونهم الكثير من قضاياهم.. مظاهر صرنا نتحسر عليها مع ما لاقيناه في مراحل (الثورات التقدمية) من قمع ومنع للحريات ومطاردات لها أول وليس لها آخر.اليوم ونحن نعيش ما يفترض ان يكون كما يسمونه عصر الديمقراطية والحريات،يصيبنا الخوف حد الهلع والفزع ونحن نسمع عن مظاهر الفساد التي استشرت في مفاصل المؤسسات السياسية والحكومية حتى صرنا نسمع ان فلاناً ترشح لمجلس النواب او لتلك الوظيفة الحيوية او منح رتباً في مفاصل مهمة بالوساطة، فلا نملك الا ان نقارن بين وساطة أيام زمان ووساطة اليوم، ونضع أيدينا على صدورنا من تمادي البعض وعدم مبالاته واستعداده مع الأسف لتعريض العملية السياسية لمخاطر اقلها عرقلة ترسيخ مرتكزاتها ومن أهمها الديمقراطية.rn
كردستانيات: بين وساطة أمس واليوم
نشر في: 5 أكتوبر, 2010: 05:56 م