علي حسينفقد العراقيون – وهذه نعمة لانقمة – معظم الحواس، ومن جملة المفقودات حاسة الفضول، ليس من عراقي يسأل ويتساءل حتى في سره:ـ كم هم عدد المسؤولين الذين يحفظون علاقاتهم مع الناس؟، كم نائبا يعرف قضايا مواطنيه وكيف يعيشون؟، كم مسؤولا يباسط الناس ويصغي الى شكاواهم وآرائهم وانطباعاتهم؟،
لا يتذكر المسؤول سوى نفسه يضرب حوله سياجا دائريا من الحرس والعيون ولايترك ثغرة في هذا الجدار العازل تدخل منها آراء الناس ومشاكلهم، منذ ايام السلاطين تعلم الحكام ان الشعب لايؤتمن وان الناس حمقى آرائها وأهوائها، والاهم حمقى اختياراتها. يكتب الفرنسي جلين بليك في كتابه المجادلة مع الحمقى " ان للحمقى ايضا من يعجب بهم وهم الاكثر حمقا منهم "، وقديما خصص احد التقاة " ابن الجوزي " كتابا سرد فيه اخبار الحمقى والمغفلين وضع فيه وصفاً للحمق قال: "معنى الحمق والتغفيل هو الغلط في الوسيلة والطريق إلى المطلوب، بخلاف الجنون، فإنه عبارة عن الخلل في الوسيلة والمقصود جميعاً، فالأحمق، سلوكه الطريق فاسد ورؤيته في الوصول إلى الغرض غير صحيحة، ".قبل أن يصدر جاك دريدا كتابه صيدلية افلاطون والذي خصص فيه فصلا عن حمقى الفكر، كان البير كامو قد ألقى بمقولة في وجوه خصومه من "الحمقى اصحاب الافواه الكبيرة والعقول الصغيرة يريدون ان ينتهي زمن الانتقادات والسّجال و الإبداع".العام 1885 اطلق بول لافارغ السياسي من أصل كوبي وصهر ماركس مقولته الشهيرة حول الحق بالحماقة كانت المقولة في حينها مدهشة وجديدة وتعبر عن نوع من الحزن والاسى الى ماوصل اليه المجتمع انذاك، على الاستهتار بمقدرات الناس وعقولهم في مجتمعات شديدة الضغط على الانسان، من المدهش ان نقارن معنى الحماقة في معجم عربي واخر انكليزي، فلقد جاء معنى الحماقة في معجم اكسفورد: انه عيب يبعد عن التفكير، يولد السخرية، وهو عدم تقدير للوقائع، والاحمق هو من يصر على تكرار الخطأ دون ان يحسب حساباً للنتائج.اما في لسان العرب، الحُمْقُ: ضدّ العَقْل والحُمُقُ قلة العقل،وحقيقة الحُمق: وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقُبْحه. ويبدو أن مفهوم الحماقة اليوم بدا يشمل الشعوب التي تسلم امرها بيد سياسيين فاقدي الصلاحية والاهلية ويكفي أن نأخذ عينات من الحكومات العربيه كي نرى حجم الاستخفاف بالإنسان، فشراء الذمم وتزوير ارادة الناس وسرقة المال العام والمحسوبية والرشوة،جعلت من الشعوب العربية لاتملك ارادتها وتعيش على هامش الحياة فالإنسان الذي أطلق عليه هربرت ماركيوز اسم الكائن الخلاق، تحول في مجتمعاتنا الى كائن عاجز، وقد تكون احدى دراسات المفكر المصري د. جلال أمين عن هذه المشاهد مدخلاً نموذجياً لفتح ملف مسكوت عنه سايكولوجياً واجتماعياً. يقول أمين: "إن تأقلم المواطن العربي مع الوضع السائد مع احساسه بانه عاجز عن المواجهة وان الحكومات دائما ما تعتبر الناس مذنبين الى أن يبرهنوا عكس ذلك هو أول السطر في ثقافة الحكومات المتسلطه التي تسعى إلى افراغ الانسان من مضمونه الآدمي، وتحوله إلى مجرد صدى أو رد فعل لما تريده هي". وسط جبال الضياع وصحراء القهر والغبن وتحت سماء لا تني تتسع باطراد من بطالة يضيق فيها أفق فرص الأجيال الطالعة ليس أمام الغالبية من سيئي الحظ، سوى الوقوع في ثقب الحماقة واللامبالاة مع ما يحمله من بلسم كاذب ووهم خادع لجنة موعودة كبديل عن إفلاس مشاريع الجنة الأرضية،جنة العدالة الاجتماعية والتنمية والتقدم التي وعدت بها انظمة تسعى للاستيلاء على اي شيء وكل شيء.يقول فؤاد زكريا " نعيش اليوم في احدث نموذج لمجتمعات الحمقى والمغفلين التي لبس فيه السياسيون بدلات الجنرالات ودخنوا سيكارهم الكوبي في الوقت الذي أقاموا فيه حروب الكلمات وشيدوا جمهورية الشعارات وصنعوا ماكينة فرمت لحم الجماهير المغلوبة على امرها لتصنع منه عجينة لينة لكرسي الحكم ".
العمود الثامن: عن الحمقى.. والمغفلين
نشر في: 6 أكتوبر, 2010: 05:30 م