ارتبطت عشائرنا عموماً بالأرض قبل الدولة بمفهومها الحديث عبر تأريخ العراق بمختلف مراحله، ما عدا بعض الاقطاعات من العصملي الى النظام السابق لمن هم ليسوا بصفتهم العشائرية. فالإقطاعيات العراقية مرتبطة برؤساء القبائل حيث يصبح شيخ العموم في منطقته هو المالك الأكبر للأرض. إلى أن جاء قانوني الإصلاح الزراعي (58 ـ 1971) ليتم تفتيت الملكية الزراعية، إلى أن وصلت الآن الحيازات الزراعية المملوكة صرفاً للأشخاص 64% وهي التي تتجزأ إلى مساحات صغيرة غير اقتصادية في الكثير من الحالات بسبب الإرث و32% مؤجرة و3% تدار تجاوزاً و1% أشكال أخرى. علماً أن سكان الريف يشكلون الآن 30% من سكان العراق. وفي ضوء هذا التشوه للملكية الزراعية غير الاقتصادية حقق الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الزراعي للفترة ( 1990 ـ 2011 ) معدل نمو سنوي مركب قدره 6 ر1%، وهذا المعدل منخفض جداً إذا ما قورن بالمعدل الذي نما به الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لنفس الفترة (6 ر3%).
وارتفع الإنتاج بفعل المبادرة الزراعية في العام 2010 بنسبة 2 ر17% ومع ذلك يبقى الأمن الغذائي رهين العوامل المعوقة فغطت الحنطة مثلاً 67% لعام 2011 ومن الشلب 15% وذلك لمحدودية الأرض الصالحة للزراعة وتدني إنتاجيتها.
ولذلك لا يتوقع أي زيادة نوعية بدون مراجعة كاملة للسياسية الزراعية من جميع جوانبها ولعل أهمها العنصر البشري الذي تقاذفته الهجرة إلى المدينة ونقل قيمته واعتباراته إليها ومشاكلها وقيام الأحياء العشوائية حتى في النواحي والأقضية مع تفاقم الانتماءات المحلية فشيوخ ووجهاء العشائر كان اتجاههم وما زال ليس الزراعة بل مشاغل الوجاهة لتمتد سياسياً على شكل جهات أمنية ساندة ومحاولة تأبيد ذلك للعمل كموظفين في الدولة ومحاولة لتأسيس قانون مجالس قبائل وعشائر العراق ليشكلوا قوة سياسية تكون الجهات السياسية مرغمة على التعامل معها رغم أنها لا تملك قاعدة اقتصادية وهي الزراعة وهم كقطاع خاص يديرها حيث لا تشاركهم الدولة مثل التجارة أو الصناعة أو السياحة أو تتدخل بجوهر عملهم بل فقط عملية دعم وتقديم خدمات للبنية التحتية للزراعة ومستلزمات أخرى معروفة. ولكي يكون المكون العشائري إيجابياً أي بقيادة القطاع الزراعي وتطويره وتوفير الأمن الغذائي لا بد أن يكون هناك تجاوز للاستخدام الاستثنائي لشيوخ العشائر في أعمال بعيدة كل البعد عن عملهم الأساسي في تنمية الريف ليحد الهجرة إن لم يعمل على الهجرة المعاكسة بعد ترتيب مشكلة الأرض وإعادة النظر بالحيازات وإكمال مشاريع الري والبزل ومكافحة التصحر واستخدام أرض جديدة. حيث لدينا 46 ر 44 مليون دونم صالحة تشكل ربع مساحة العراق تشكل الديمية تقريباً نصفها. والآن فقط (240 ر13 مليون دونم) لها حصة مائية فما حرصنا إلا بالإقدام على الاستصلاح وإنهاء ملف المياه مع الجيران والعمل بالزراعة الحديثة وتقليل الهدر. وهذا لا يتم بقانون للعشائر ولا بالإسناد أو غيره بل بتضافر الجهود ووحدتها وتلعب المنظومة العشائرية دوراً ايجابياً وليس مجرد كم اجتماعي يتقلى المساعدة المزمنة من الحكومة لأغراض شتى. والأمن الغذائي هو الهدف المركزي الأول ثم تليه تنمية ريفيه حقيقية بإنتاج حيواني ونباتي وتتم إعادة هيكلة الريف على أسس علمية جديدة وقيادات اقتصادية لها مطالبها ومشاريعها وواجباتها.
وحركتها السياسية بجدارة وليس مجرد ميراث ويعاد ارتباط الإنتاج بالقوى المنتخبة بشكل طبيعي.