كتب/ علي النعيمي للرسام نورمان روك ويل مقولة نصها: عندما يداهمك اليأس فأنك حتماً ستعجزعن اتخاذ القرار الصائب، لكن قمة الإحباط تتولد لحظة ما تقول شيئاً ما وتذكره للجميع ولا أحد يأبه لك! بحكمة هذا الفنان أستهل كلامي ولا اعلم أيها القارئ، هل سيداهمك شعور الإحباط أيضاً ويحيطك من كل جهة وأنت تشاهد منتخباتنا وهي تذق علقم الهزائم وتكتسي استحقاقاتها الدولية بوشاح الانتكاسات المريرة؟
لكن ما يلهب الفؤاد ويذهب العقل ويشيب الرأس عندما تكتب وتحذّر الوسط الرياضي والمعنيين بأن الفئات العمرية بحاجة ماسة لتصل الى درجة الضرورة المُلحة للمسات المدرب الأجنبي ولا احد ينصت لك! كونه هو الوحيد القادر في هذه المرحلة على ترسيخ أسس التدريب الصحيحة وصقل مواهب اللاعبين وتعليم مفاهيم اللعب الحديث مع الإيقاع السريع التي تفتقدها كرتنا الآن.ربما يتطير بعض مدربينا من هذا الكلام وقد يتهموننا بالانتقاص من قيمتهم المهنية وهناك آخرون ما أن ضربنا بريشة النقد الناعمة على الوتر الحساس لقيثارة الرتابة وعود الكلاسيكية على نغم الحداثة حتى انتفضوا لنصرتهم وهبوا لنجدتهم تارة يستعرضون لنا أهدافهم عندما كانوا لاعبين في السابق وما قدموه لكرتنا قبل عقود وتارة يتكلمون عن مناجم المدربين التي لا تنضب وأكداس من الكفاءات التدريبية المرصوصة في مستودعات الإبداع (المسلفنة) وعن خبية تدريبية مطمورة في أروقة إحدى الملاعب لم تكتشفها الجماهير حتى الآن وبالغ البعض لشدة تعلقه بالمدربين (نجوم الأمس) إذ تغنوا بأخلاقهم الرفيعة وأدبهم العالي وأصواتهم الهادئة الساحرة ونظراتهم المختلسة من قطرات الخجل وكأن احدهم (عريس) جاء لخطبة الكرة العراقية من جماهيرها وليس مدرباً لمنتخبنا تتوفر فيه مقومات المهنية العالية والكفاءة والشهادات التي نالها من دوراته التدريبية ومعايشته مع المنتخبات والفرق الأخرى لأن هذا هو معيار التفضيل وأساس الاختيار وليس لصفاته الشخصية والمواقف الأخرى.لكن سرعان ما تتغير هذه الفورة الثائرة والنخوة المتآزرة والصيحات الهادرة لهذا المدرب المحلي بعد أية إخفاقة له ويبدأ الكلام هنا عن المهنية والعقلية التدريبية وبدلاً من ان يتدبروا ويتأملوا في موضوعة الاختيار بدقة يبدأ الحديث عن عقل تدريبي (محلي) يتم ترشيحه بناءً على نتائج دورينا (البائس) الخالي من أية لمحات فنية أضافها له أي أحد من جهابذة التدريب (المحلي).وللحديث شجون، فأثناء دراستنا الأكاديمية تعلمنا شيئاً مهماً بأن على أي مدرب يتعامل مع الفئات العمرية (أشبال وناشئين وشباب) ان يهتم كثيراً باللعب النموذجي وبناء الهجمات بشكل منسق وتدريبيهم على اللعب الجمعي المكون من 6- 8 نقلات وإتقان الجمل التكتيكية بتمييز، لذا فأن من سمات اللعب في هذه المراحل العمرية، هو تعليمهم طرق الانتشار مع أخذ الفراغات والتمركز ولعب الكرات المعتمدة على الكرات القصيرة والبينية وعلى هذا الأساس نلاحظ ان هناك الكثير من فرق العالم ليس لها تأريخ تبدع وتتفوق في هذه المرحلة المهمة لكنها لن تجرأ على منافسة دول متقدمة على مستوى المنتخبات المتقدمة (الخط الأول) وسبب ذلك هو ان في مرحلتي الناشئة والشباب يكون اللعب مدروساً ومنهجياً وموجهاً ومكرراً ونموذجياً بشكل حرفي ابتداءً من صناعة الهجمة وأساليب الحيازة ونقل الكرة وانتهاءً بإحراز الأهداف لكن الإبداع والاحتراف يتكامل على مستويات المنتخبات الأساسية، لذا يصف اللعب في الفئات العمرية بالنموذجي التقليدي على عكس اللعب في المنتخبات المتقدمة المتحررة تكتيكياً. لكن أين نحن من ذلك، وبماذا نفسر النتائج الكارثية التي خرج بها المدرب حسن احمد من بطولة آسيا للشباب؟ والأغرب انه عمل معهم لمدة ناهزت الأربع سنوات وعاش معهم وتعايشوا معه من حيث الانسجام والتجانس الفكري ومعرفة الواجبات وخلق حالة اللعب الفني والذهني ما بين اللاعبين أنفسهم، ولم نرَ حتى جملة تكتيكية واحدة أو لمسة اللعب الإنسيابي بصعود اللاعبين ورجوعهم ولم نلمس حتى أية خصوصية من حيث طرق اللعب، التنظيم الدفاعي وبناء الهجمات، وأساليب التحضير الهجومية،وخيارات اللعب المتاحة،والطامة الكبرى انه غلب عليهم اللعب الاجتهادي والنقل العشوائي للكرات وطرق إنهائها غير الموفق في مواجهة البحرين والكوري الشمالي واوزبكستان!لذا من المعيب حقاً وبعد كل هذه المدة التي قضاها مع هؤلاء اللاعبين ان يفشل بتلك الصورة المتواضعة حيث أثبت لنا مرة أخرى ما لا يقبل الشك فيه خواء الساحة المحلية العراقية من المدربين الأكاديميين القادرين على بناء أجيال كروية تصقل مواهبهم بشكل أكاديمي،بل هي ورقة أخرى من أوراق شجرة (توت المدربين) التي سقطت برياح خريف الجمود وهبوب التكتيك القديم الذي ما فتئت أعاصيره تعصف بكرتنا التي تتطلع إلى الفكر الأجنبي ان أردنا الحصول على جيل يقاوم الطفرات الوراثية في كرة (العرب وآسيا) وهو الذي سيبقي شجرة الكرة العراقية ناضجة مثمرة بالمواهب المؤسسة بشكلها الصحيح وليس على الأساليب البالية (إعمل سيطرة بابا بفخذ رجلك وعلى رأسك) التي لم نجنِ منها غير سيطرة خصومنا المطلقة علينا الذين أكرموا وفادة مرمانا برباعيات وثلاثيات ووقانا الله وإياكم من قادم الكوارث الكروية ورحم الله نورمان روك ويل وكل مَن أحبطه آنذاك!
ما سر سقوط المدرب المحلي آسيوياً في نتائج كارثية؟

نشر في: 8 أكتوبر, 2010: 05:16 م









