علي حسين ربما الصدفة هي التي قادت خطوات الشاب الارمني الى عالم التصوير وهو يتذكر ان والده كان يمتلك كاميرا بوكس حاول الصبي مرات عديدة ان يكتشف سر هذه الآلة العجيبة لكنه في كل مرة
يتلقى سيلاً من كلمات الزجر والتانيب "منو هزا الهمار اللي مد أيده على كاميرتي".حين قرر امري سليم لوسيان ان يترك الموصل، كان الارمن في بغداد يقطنون أحياءهم الخاصة "كمب الارمن وكمب سارة"، في عالم خاص بهم، يحرصون على ان يتم كل شيء داخل دائرة مغلقة وبشيء من الإتقان، ولم يكن البغداديون يشعرون بوجود الارمن الا في حالتين، واحدة حين تذهب الى احد هذين الحيين لتجد مكانا يشع بالنظافة والترتيب والاهم الهدوء والسكينة تفوح منه روائح الباسطرما، والثانية ان تذهب الى مصور فوتوغرافي حيث كان الارمن يزينون شارعي السعدون والرشيد بمحال تصوير أنيقة وصغيرة فتقف أمام ارشاك اوهاكوبيان او ارام اوكاكا او امري سليم، تضع يدك على خدك وبعد يومين أو ثلاثة تتسلم صورة تفوق الأصل بكثير حتى تكاد لا تصدق هل انت صاحب الصورة ام انها لشخص آخر أكثر وسامة ونضارة، اما اذا دفعك غرورك الى ان تذهب باتجاه المصور جان صاحب ستوديو بابل فان صور المشاهير والحكام التي تملا فاترينة المحل تدفعك لان تتحسس جيوبك وانت تحلم بان يلعب القدر لعبته فتجد صورتك يوما تتوسط هؤلاء الإعلام، ومع ازدهار الصحافة ازدهرت الصورة الفوتغرافية أيضاً وطبعا كان الارمن هناك لا ينافسهم احد وكان في الطليعة من هؤلاء ارشاك الذي كان شاعر الكاميرا وقد علمها كيف تحكي وكان هناك بهجت عبوش وهاكوبيان وكان من بين الكبار الحاج امري سليم.ثمة علاقة غريبة بين الارمن والكاميرا، وعندما ترك امري سليم الموصل الى بغداد كان ارشاك قد سبقه الى هناك ليعمل مصوراً طبعا، غير ان امري سليم سيصبح أشهر مصور وجوه في الصحافة العراقية وبين الوجوه التي رسمها بعدسته صور الملك فيصل الثاني ونوري سعيد وحافظ الدروبي والقبانجي والصحفي بدر شاكر السياب لكن الأهم صور عفيفة اسكندر ولميعة توفيق وسليمة مراد وزهور حسين واحلام وهبي ووحيدة خليل وهيفاء حسين حيث ارتبط امري بعلاقة مودة مع كل مطربات بغداد ويتذكر كيف استطاع ان يعقد صفقة تسمح له بان يلتقط الصور لمطرباته المفضلات مجانا مقابل ان يدخل الملهى بدون تذكرة دخول و كيف ان هذه الصفقة ساعدته في الحصول على أموال لا باس بها آنذاك " كنت ادور على الملاهي ليلا هنا تغني عفيفة اسكندر وفي هذا المكان وصلة لسليمة مراد وبعد منتصف الليل الجمهور بانتظار إطلالة أحلام وهبي كنت أقدم الصور مجاناً للمغنيات ولكنني اكتشفت فيما بعد انني استطيع ان احصل على المال الوفير من وراء هذه الصور فطبعت كميات منها بحجم البوسكارت وزعتها على بعض بائعي الصحف المتجولين فكنت تسمع البائع ينادي: "أقرأ البلاد الباشا يقدم استقالته، شوف آخر صورة لسليمة باشا "لقد استطاع امري ان يلتقط صور هؤلاء المغنيات ويجسدها كأغنية من أغاني الحزن او الفرح العراقي، عميقة الحزن مرة، ضاجة وصاخبة مرة، لتجعل من هذا الفنان اصدق المصورين وأملأهم بالحب، وهو في كل مرة يتعامل مع موضوعه من عدة طرق في وقت واحد، فالتناغم والتقابل والاتساع والإيحاء ما كانت لتتحقق معا لولا تمكن الفنان من أسرار صنعته وقدرته على الارتقاء بالصورة الفوتغرافية الى مصاف اللوحات التشكيلية الحافلة بالمعايير والعناصر الفنية.طارت شهرة امري سليم عندما اختاره عبد الكريم قاسم لان يرافقه في جولاته ليوثق أحاديثه مع الناس، فقد كان الزعيم الراحل يدرك جيدا ان عدسة امري ستنقل بصدق أحاسيس الناس ومشاعرهم وهم يتحدثون او ينصتون لزعيمهم المحبوب.يقول امري سليم "ان مهمته هي تصوير النفوس والقلوب والعقول سواء كانت لأناس مشهورين او مغمورين".امري سليم الارمني الذي اجمع البغداديون على مناداته بلقب حاج تؤكد سيرته ان الارمن لم يكونوا جسما غريبا في العراق وان لهم في كل ذرة من أرضه لمسة وذكرى.
العمود الثامن :الحاج.. أرمني!!
نشر في: 9 أكتوبر, 2010: 07:03 م