إيمان محسن جاسمكشفت دوائر المخابرات الغربية في الأيام الماضية عن مخطط لتنظيم القاعدة يستهدف عدداً من المدن الأوروبية منها باريس وبرلين وأمستردام وغيرها، وهذه المخططات والعمليات من شأنها أن توجه رسائل خاطئة مفادها أن ثمة صراعاً ما زال بين الإسلام والغرب إذا ما حاول البعض افتراض إن تنظيم القاعدة يمثل الإسلام أو يحاول أن يجعل المسلمين باتجاه أن يكونوا طرفا في صراع يفرض عليهم .
والسؤال الذي يطرح في الكثير من الدوائر الفكرية والثقافية هو هل هنالك صراع حقيقي بين الغرب والإسلام؟ لا أحد ينكر اشتعال هذا الصراع، ولكن هناك تيارا فكريا يؤججه ويتزعمه بعض المفكرين الذين- لحسن الحظ- تصدى لهم آخرون معارضون لنظرياتهم ومفندون لها بالحجة والمنطق.كما يزيد من حدة الصراع جماعة من المهووسين الدينيين الذين هم في واقع الأمر ضحايا لفكر هؤلاء المفكرين، وأدوات مجردة لتنفيذ هذا الفكر كيفما كان اتجاهه الثقافي..بينما تقول حقائق التاريخ والدين والثقافة أن أوجه الخلاف بين حضارة الغرب وحضارة الإسلام أقل بكثير من أوجه الاتفاق، وفي رأيي أن هناك فئات ثلاث ساهمت وروجت للعداء بين الإسلام والغرب.الفئة الأولى يمثلها مفكرون أميركيون ثلاثة عرضوا أفكارهم حول هذه القضية في مؤلفات كان تأثيرها السلبي شديدا على العالم بأسره.الأول هو ريتشارد نيكسون في كتابه "وانتهزوا الفرصة "، والثاني هو فرانسيس فوكوياما في كتابه"نهاية التاريخ"، والثالث وهو أخطرهم: صمويل هنتنجتون في كتابه "صراع الحضارات .وتدور الكتب الثلاثة على وجه العموم في فلك عنصري يروج لحتمية سيطرة ثقافة الغرب وسياسة الغرب واقتصاد الغرب على العالم كله من جهة، وتروج من جهة أخرى لفكرة أن الإسلام هو العدو الحتمي للحضارة الغربية من بعد سقوط الشيوعية ممثلة بالاتحاد السوفيتي ومعسكره الشرقي.أما الفئة الثانية فيمثلها المستشرقون الذين تعاملوا مع القرآن على طريقة " لا تقربوا الصلاة" فاقتطعوا منه بعض النصوص التي تحض على قتال المعتدين وعزلوها عن مسارها التاريخي زمنا وحدثا، بحيث لا يترك للعين أن ترى من الإسلام غير الانفجارات ودماء الأبرياء..اختلطت مفاهيم الإسلام بالإرهاب بالمقاومة المشروعة للمعتدي المحتل وضاع الحق وتفرق بين الجميع الذين عجزوا حتى الآن عن التوصل إلى تعريف علمي للفظة الإرهاب.أما الفئة الثالثة فهم الإرهابيون خدام الثقافة الأصولية بشقيها الإسلامي والمسيحي، وهؤلاء أناس غسلت أدمغتهم من كل شيء إلا العداء للآخر في الدين والمذهب كما حدث في العراق وباكستان والمغرب العربي وضرورة القضاء عليه معنوياً بتكفيره ومادياً بقتله ،بحيث أصبحت الصورة الماثلة أمامنا تعبر بحق عن صراع أصوليات لا صراع حضارات. وفي مقابل هؤلاء الذين يتطوعون بتفتيت أجسادهم إلى قطع متناثرة تنفيذاً لفكر ثقافي متخلف، نجد أن النخبة الحاكمة في أقوى وأغنى دولة في العالم تنفذ ما جاء من فكر في المؤلفات الثلاثة المشار إليها تنفيذاً يكاد يكون حرفياً .فالأقوى يبتكر وينتج والأضعف يستقبل ويستهلك ،في ظل آلة إعلامية جبارة تسوق لثقافة الغرب ومنتجاته، وهذا بالطبع لا ينفي استحقاق الضعفاء والكسالى من الأمم أن تدفع ثمن تخاذلها وتخلفها عن مواكبة العصر ، فمن المؤكد أن المساواة بين من يعمل ومن لا يعمل هو الظلم بعينه ويدفعنا ذلك الى أهمية أن نبحث كيف نكون أقوياء كعرب أو مسلمين حتى نستطيع التجانس والتفاعل مع حضارة الغرب السائدة،فنحن بضعفنا وتشتتنا وتخلفنا صرنا نقدم أنفسنا طوعا كفريسة سهلة المنال في عالم اختزلت فيه العلاقات الإنسانية الى علاقة واحدة بين مفترس وفريسة، ولنستشهد هنا بقول ريتشارد نيكسون في كتابه المذكور نصاً وحرفاً: (بينما ذبلت أوروبا في العصور الوسطى، تمتعت الحضارة الإسلامية بعصرها الذهبي حين أسهم الإسلام بمجهودات هائلة في مجال العلوم والطب والفلسفة،)هذا ببساطة يعني أننا كنا أقوياء، وأن بمقدورنا أن نعود: أقوياء مرة أخرى، ولا يجب أن ننسى أن ابن رشد كانوا يلقبونه بمعلم أوروبا حتى نهاية العصور الوسطى.والحق أنه يمكننا كعرب-مسلمين ومسيحيين-أن نتلمس الطريق الى هذه القوة من دون التشبث بالماضي والعجز عن استشراف المستقبل،لكن هذا لا يتحقق بغير الانطلاق بلا تردد في اتجاهين:الأول سياسي واقتصادي والثاني ثقافي، فالعرب لن تقوم لهم قائمة ما لم يتكتلوا اقتصاديا وسياسيا حتى يشكلوا كيانا قويا يستطيع مواجهة التكتل المناظر للغرب والتكامل معه.لقد نجح الغرب في إقامة وحدة متكاملة لدرجة توحيد العملة برغم اختلاف اللغات والثقافات والمواقع الجغرافية، ولكي ينجح العرب في ذلك ينبغي أن يتخلوا عن ثقافة اللفظ وينطلقوا الى ثقافة الأداء والإنجاز، وعن ثقافة النقل الى ثقافة العقل، وعن الثبات والجمود الى الديناميكية والتطور..هذا الإنجاز يتمثل في تعظيم مقومات التنمية وقوة الدفع الذاتي وعدم الاعتماد على القروض والتقليل من الاستيراد السلعي والخدمي والاعتماد على تنوع الصادرات وتشجيع القوى الوطنية على الإنتاج،وقبل ذلك كله إحداث ثورة في نظام التعليم بحيث يفرز لنا عقليات إبداعية لا نمطية.كما يجب زيادة الإنفاق على البحوث، و تدعيم أسس الديمقراطية والقضاء على الفساد المستشري بين دوائر الحكم ورجال الأعمال وأصحاب المناصب المؤثرة. ولا مفر من تع
حـــوار ثقـافـــات أم صــراع؟
نشر في: 9 أكتوبر, 2010: 07:44 م