يجب النظر إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليس باعتباره نصراً كاملاً للفلسطينيين، بقدر ما هو هزيمة كاملة للإسرائيليين، بعده ليس كما كان قبله، فقد تغيّرت قواعد اللعبة، وامتلك الفلسطينيون أداة قادرة على الجرح، هي القانون الدولي كمرجعية وحليف في آن معاً، ويعني ذلك ببساطة أن العملية التفاوضية، التي حملت حتى الأمس صفة العبثية بجدارة، باتت محصنةً اليوم بالشرعية الدولية، كمرجعية لتلك المفاوضات.
القرار الأممي هزيمة كاملة لسياسات نتنياهو، القائمة على تفريغ السلطة الفلسطينية من محتواها العملي، واستمرار الاحتلال دون دفع كلفته، والتخلي عن قطاع غزة، ليس باعتبار ذلك تحرراً، بقدر ما هو تبعية كاملة لمصر، سواء حكمها مبارك أو الإخوان المسلمون، لايعني ذلك أن نتنياهو سيقبل بالهزيمة، فهو مستعد للانتقام من خلال تجميد أموال الضرائب، وحجبها عن السلطة، وربما يلجأ إلى حصار الرئيس محمود عباس، مكرراً تجربة حصار عرفات ، وهو يشعر أن ظهره مسنود بالقرارات العقابية الأميركية المنتظرة ضد الفلسطينيين، وربما ضد الوكالات الأممية، التي ستقبل دولة فلسطين كعضو فيها.
كانت القيادة الفلسطينية تدرك مخاطر خطوتها، لكنها تدرك أيضاً، مخاطر لعبة المماطلة التي تنتهجها حكومة نتنياهو، والتي تفقدها القدرة على إقناع شعبها بالعملية السلمية، وهو يرى بأم العين المستوطنات التي تتوالد كالفطر على أرضه المحتلة، وبما ينسف عملياً حل الدولتين، كما أنها تدرك أن أي عملية انتقام، سواء كانت إسرائيلية أو أميركية ستؤذي طرفي المعادلة، وهي ناورت ببراعة في خطوتها الدبلوماسية، لم تهدد بمحاكمة الاحتلال، لكنها أبقت الباب مفتوحاً لخطوة كهذه، ترعب بالتأكيد الدولة العبرية، الهدف الأساس عندها تحقيق حل الدولتين، لم تتبجح بتطبيق حقها في الحصول على عضوية الوكالات الأممية، لكنها سعت ونجحت في تحويل مسار التفاوض، من عبثي إلى عملي، يحدد المطلوب من طرفي المعادلة، ومن الراعي المحتمل في واشنطن.
المأمول اليوم أن لا تنجرف الولايات المتحدة وراء السياسات الإسرائيلية، ففلسطين حصلت على قرار باعتبارها دولة غير عضو في الأمم المتحدة، وواشنطن كانت تهدد بقطع المساعدات عن الأمم المتحدة، إن هي منحت فلسطين صفة الدولة كاملة العضوية، وهذا الوضع الراهن يمنح الإدارة الأميركية فرصة التراجع عن تهديدها، الذي سيؤدي في حال تنفيذه إلى خسارة كل أدوات التأثير الأميركي حول العالم، وخصوصاً لدى الدول الفقيرة.
أما تنفيذ إسرائيل لتوعدها بالتخلي عن التزاماتها بموجب اتفاقية أوسلو، وتحميل السلطة مسؤولية تقويض العملية السلمية، وما يتبع ذلك من حجز الضرائب، وربما خطوات انسحاب أحادية، ثم رفض الاعتراف بالسيادة الفلسطينية على الأرض المحتلة، والمضي في توسيع المستوطنات، فهو المبرر لإلغاء الدور الفلسطيني الأمني، وهنا على الدولة العبرية تحمل التبعات والنتائج المباشرة على أمنها، الذي تربط به كل خطوة من خطواتها، وبما يعرقل التوصل إلى أي حلول منطقية وقابلة للحياة.
ليس متوقعاً أن تسارع السلطة الفلسطينية بتقديم طلب انضمام إلى الجنائية الدولية ووكالات الأمم المتحدة، وهي ستنتظر خطوة إيجابية من واشنطن، لإحياء المفاوضات الجدية، وبغير شروط مسبقة، سوى أن تكون على أساس الشرعية الدولية، والهدف واضح وصريح وساطع وهو تحقيق حل الدولتين، طبقاً لحدود ما قبل الرابع من حزيران 1967 ، وعلى أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين المأمولة.
تغيرت قواعد اللعبة، والعالم اليوم أمام اختبار جدي، يتمثل إما بالانحياز لحل الدولتين، وتطبيق ذلك عملياً، أو دفع السلطة للجوء إلى بدائل تمتلك فيها الكثير من الأوراق الرابحة، أو دفع المنطقة إلى مجهول لا نتمنى الذهاب إليه.