قضية الفساد في صفقة السلاح الروسي ، اخذت حيزها في صحف عربية ، وتناولها كتاب كثيرون من زاوية الاشارة الى حجم استشراء الفساد في الحكومة العراقية ، مستندين في ذلك الى تقارير منظمات دولية ، ووقائع وشواهد حقيقية ، دوافع الكتاب لم تصدر من نيات حسنة بل من دوافع اخرى ولاسيما ان اغلب تلك الصحف تصدر في دول معروفة بمواقفها السلبية تجاه العملية السياسية ، والتجربة الديمقراطية في العراق .
المنطقة العربية معروفة بانها ارض خصبة لاستشراء الفساد بكل انواعه ، والحكام او اصحاب القرار هم السبب الرئيس في شيوع هذه الظاهرة ،حتى باتت علامة فارقة لاكثر من نظام عربي ، طالما تبنى الشعارات القومية للدفاع عن الامة ، والنضال من اجل استرداد حقوقها المسلوبة ، ومواصلة النضال حتى اخر قطرة دم يعربي ، وهنا تبرز المفارقة والمعادلة المضطربة لتؤكد ان العرب اصبحوا فرجة لشعوب العالم ، ومضحكة لغيرهم لانهم يمتلكون ثروات طائلة بددها الحكام ، باكذوبة الدفاع عن الامن القومي ، ببناء ترسانة عسكرية استخدمت في الغزو على الجيران وقمع الانتفاضات المطالبة بالحريات والداعية الى اقامة انظمة ديمقراطية .
الكتاب العرب في تناول النسخة العراقية من الفساد تناسوا بيوت زعمائهم الزجاجية ، فاخذوا يرمون الحجارة على غيرهم ، متجاهلين استشراء الفساد في بلدانهم ، وانظمتهم ، وربما تصوروا "فسادهم " يجري في دوائر ضيقة جدا ، ولم تنبعث روائحه الكريهة لتصل الى وسائل الاعلام ، ولم تتناوله بيانات رسمية رسخت حقيقة ان الفساد في العراق اصبح فضيحة بجلاجل.
الفارق الجوهري بين نسخة الفساد العراقية والعربية ان الاولى تعلن بالصوت والصورة ، والبيانات ، والنسخة الثانية سرية ومحدودة التداول ، لان صاحب القرار، ونتيجة خبرته المتراكمة في التعاطي مع ملفات الفساد لا يسرب اية معلومة قد يستفيد منها من يحاول ان يستخدمها ضده ، والنتيجة النهائية الفساد واحد لكن الاول بجلاجل والاخر يلتزم الصمت المطبق ، انطلاقا من الايمان بان فضح السر ليس من صفات الشيخ طويل العمر .
مع بدء العد التنازلي لموعد اجراء انتخابات مجالس المحافظات والاقضية ، من المتوقع والمرجح ان تكون ملفات الفساد بمتناول الجميع ففي التنافس الانتخابي سيلجا كل طرف لنشر غسيل خصومه و منافسيه على الحبل ، وهذا الحال سيستمر لعدة اشهر ، وستتسرب وثائق وحقائق الى وسائل الاعلام لنشرها لغرض الاطاحة بهذه الشخصية او ذلك المرشح ، وبعد انتهاء الفصل الاول من نشر الغسيل ، سيستعد الجميع لجولة ثانية ستكون اكثر احتداما اثناء خوض الانتخابات التشريعية المقبلة ، و"الديمقراطية "بالطبعة العراقية توفر الاجواء المناسبة لنشر المزيد من الفضائح ، ونكون فرجة مجانية للغير .
العراقيون عرفوا الفساد بنوعيه الاداري والمالي ، والقادة السياسيون والمسؤولون اعلنوا سواء بتصريحاتهم او في برامجهم الانتخابية خوض الحرب على المفسدين ، بتفعيل اجراءات هيئة النزاهة وعمل المفتشين ، واعتماد القضاء في محاسبة المسؤول المفسد ، واصحاب هذا الصوت الصاخب ، وفروا لصحف عربية وكتابها ان يسخروا من العراق وتجربته السياسية ، بفرجة بلاش لمهازل مستمرة .