لا يضيع شيء في العراق مثلما تضيع المعلومة الدقيقة، حتى ليشعر المتتبع لها بانه يتتبع لغزاً محيراً.. قبل أيام كتبت مقالاً يخص المجسرات التي شيدت مؤخراً في مدينة بغداد، ونقلت فيه تصريحات عن محافظ بغداد وعن وزير الاسكان والاعمار تكشف عن اخطاء في تصميم وتنفيذ هذه المجسرات، وعند سماعي هذه التصريحات حسبتُ ان معلوماتي اكتملت عن الموضوع. لكن كانت دهشتي كبيرة عندما التقيت أمين بغداد وكالة، في حوار تلفزيوني، وناقشت معه انتقادات الوزير والمحافظ، ولكي لا اقع ضحية الدهشة الكبيرة وحدي، ساشرككم بها من خلال سرد تفاصيل الموضوع..
قبل سنة تقريباً، اخذت اسال بعض المعنيين عن سر تأخر انجاز مجسرات؛ (باب المعظم، وساحة المتحف، والمستنصرية والشعب ومجسر الاذاعة والتلفزيون) واثارني ان الكثير من المراقبين والسياسيين يتحدثون عن اخطاء في تصميم وتنفيذ هذه المجسرات، فضلاً عن الشكوك المتعلقة بالفساد. وكان أول “انتقاد رسمي” حصلت عليه من محافظ بغداد، الذي أكد فيه أن مخططات هذه المجسرات لم يؤخذ بنظر الاعتبار فيها آراء مديرية المرور العامة، معتبراً ذلك خلالا كبيراً. وعلى اثر هذا التصريح سارع أمين بغداد السابق إلى الرد مؤكداً أن التنسيق موجود. الأمر الذي دفعني إلى العودة لمحافظ بغداد في حوار لاحق، حيث أكد لي ان معلومته صحيحة وهي مأخوذة من مدير المرور العامة. فانتقلت بتساؤلاتي إلى وزير الاسكان والاعمار، ايضاً في حوار متلفز، وحصلت من الرجل على انتقادات لاذعة، فقد وصف مجسر ساحة المتحف بالكارثة، لأن تصميمه غير مبني على دراسة لعدد السيارات التي تمر من التقاطع، فضلاً عن أن التقاطع ثلاثي وليس رباعي ليحتاج إلى جسر، ثم ابدى استغرابه من كون الجسر باتجاه واحد ولم تترك فيه مسافة كافية لتفادى النفق الذي ينتهي به. اما عن جسر الشعب فقد اكد بأنه مبني على التقاطع الخطأ، إذ المفروض ان يتم انشاءه على تقاطع الصحة.
اعتبرت هذه المعلومات دقيقة واستخدمتها في كتابة عمود انتقدت فيه إنشاء المجسرات، لكن لقائي مع أمين بغداد اعادني للمربع الأول، حيث اكد بأن جميع مواقع المجسرات موضوعة في تصميم بغداد القديم، أي منذ عهد النظام السابق، وان جسر الشعب في مكانه الصحيح، وهناك جسر موجود في التصميم سيتم انشاءه في تقاطع الصحة بمنطقة الشعب، أما فيما يتعلق بمجسر ساحة المتحف، ففضلاً عن كونه من ضمن التصاميم القديمة فان مديرية المرور ـ ومع ان آراءها غير ملزمة ـ فهي عضوة في لجنة مختصة بالتنسيق بين الامانة والمرور.
مربط الفرس من وراء كل هذا السرد هو السؤال التالي: كيف يمكن للإعلامي أن يؤدي عمله بعيدا عن الاشاعات والمبالغات والاخبار الكاذبة إذا كانت تصريحات المختصين غير دقيقة والقانون لا يضمن له الحصول على الوثائق اللازمة لعمله؟
متاهة الإعلام العراقي
[post-views]
نشر في: 30 نوفمبر, 2012: 08:00 م
جميع التعليقات 1
المهندس ضياء محمد هاشم
السلام عليكم كأنك في قلبي يا أخي أ سعدون , كم من الرسائل ارسلتها بشأن مجسر الاذاعه و التلفزيون لامانة بغداد و محافظتها التي اقتطعت التخصيصات من ميزانيتها و الذي لامبرر لهذا الجسر سوى لصرف الميزانيه ضمن سنتها في حمى سنة صرف الميزانيات و كل من يصرفها اسرع