دلال محموداهتمت المجتمعات بوضع القوانين منذ بداية خطوات الإنسان الأولى على الأرض لكي تستمر الحياة ومن اجل نشر العدل والمساواة..وكان للعراق النصيب الأوفر في هذا المجال ،إذ خط الإنسان أول وثيقة للقانون الذي ينظم حياة البشر.
وسعت الحكومات الى تعديل القوانين الجائرة التي أزهقت أرواحا بالباطل والظلم. مثالنا على ذلك ما تم التعارف عليه بقانون الشرف أو غسل العار في مجتمعنا الذي بسببه أزهقت كثير من الأرواح لا ذنب لها إلا حجة غسل العار! ولم يلتفت أحد الى أن العار في حق الإنسانية هو أن يقتل إنسان لمجرد تهمة لم تثبت بحق ضحية لم تعط فرصة للدفاع عن نفسها.انه عدوان على قيم الإنسان وعلى حقه في الحياة التي كفلها الله له بالكرامة..لماذا نلجأ الى عرف نرفع شأنه الى مستوى قانون نافذ فيما هو أعرج لا يستقيم مع الحق؟ وأي شرف هو ذا الذي ينأى عن الحق؟!!وهنا الفرق واضح تماما بين الدعوة الى النظر من جديد في هذا العرف الذي أصبح قانوناً وبين ضرورة وضع قوانين عادلة لحماية الشرف وصونه بالحق والعدل.لا أتخيل إن إنسانا طبيعيا هذا الذي يقتل فلذة كبده (الأب مثلا يقتل ابنته)أو الأخ لمجرد انه سمع ما أساء الى سمعتها من أناس سيئين. هذا الذي يقتل اقرب الناس إليه ودون شعور بالندم لان الأهل والجيران والمجتمع يهلهل له ولان هناك قانونا جائرا يحميه . ما الذي نرجوه منه أن يقدمه للمجتمع؟قبل سنين كانت هناك عائلة وديعة وطيبة تقطن في إحدى مدن بغداد الحضارة والتطور كما نتباهى ان يقال عنا ولكن دون تطبيق لأدنى قيم الإنسانية في كل أشيائنا لأننا نبرع في تمجيد أنفسنا وأجدادنا دون فعل ملموس على ارض الواقع.تتكون تلك العائلة من أم وأب وخمس بنات وولدين.الأب يعمل معينا في مستوصف صحي، والأم تعمل معينة في مدرسة، يعني ان الوالدين مجاهدان بشرف وإخلاص وعزة وليس غريبا هذا لان بلدنا نفطي ومن البلدان الغنية فيوجب علينا ان نكون المضحين كي يسرق الطغاة ثروتنا ليعيشوا هم بنعيم.كنت حين ادخل الى بيتهم أحسهم مترفين رغم فقر حالهم لما يملكون من أناقة في ترتيب أثاثهم البسيط المتواضع كنت أجلّهم لأنهم عصاميون.وكانت بناتهم في قمة الأدب والأخلاق .شاءت الأقدار ان نقبل ابنتهم الصغرى في احد المعاهد.وهذه البنت بالذات كانت أهدأ أخواتها وارقهنّ قلبا ورغم إنها كانت مدللة لكن دلالها لم يكن ليفسدها. داومت في المعهد كغيرها من الطالبات.وفي ليل شتائي اظلم غابت عن البيت لثلاثة أيام متواصلة ما جعل أهلها يبحثون ويستفسرون عنها ابتداء من اقرب صديقة إليها وانتهاء بأبعد صديقة إليها.نتيجة بحثهم عنها علموا من أناس سيئين يجيدون الوشاية ويتقنون انتهاك الأعراض ما لم يستسيغوا سماعه من كذب وتلفيق خلال ثلاثة أيام فقط ألفت قصص وروايات ممن لا ضمير لديهم كان فعل ابنتهم غير سوي حين ذهبت مع صديقة لها, تعرفت عليها من خلال دوامها في المعهد وقيل بصحبة شاب من خلال رفيقة السوء هذه. حين رجعت الابنة الى أهلها كان المفروض بهم ان يسألوها أولا وأن يستفسروا منها عن سبب غيابها؟وأين كانت؟ ولماذا؟ ووووو. باعتبارها أمانة الله التي استودعها عندهم.لكن هذا لم يحصل .حيث ان وجود ابن عمها كان سببا في شحذ همة أخيها, كي يذبحها. وفعلا, أدى دوره الجبان , بجدارة. وسط هلاهل ابنة العم , وهي تحمل رأس الضحية, في الشارع, لتصرخ بأنهم قد غسلوا عار العشيرة. وبكل برود وربما يحسب له شجاعة الشجعان ذهب الأخ الجلاد والمجرم الجبان. ليسلم نفسه, وهو واثق, من انه سيحكم لأشهر مع إيقاف التنفيذ. فهل هذا هو عدلنا؟؟ لا تنسوا لأننا أصحاب عدالة منذ بدء الطبيعة!!!.أخذت الجثة المغدورة للطب العدلي ليثبت إنها كانت عذراء يا للهول فأي مصاب جلل هذا؟! إنهم يقتلون وبعدها يفحصون الضحية فأي قانون هذا وأي عدل يا من سننتم أول قوانين الحياة؟!!! هذه قصة. ومثلها الكثير, لو أحببتم من هذه القصص التي يعتصر القلب لهولها ولبشاعة مرتكبيها والتي دائما ما يكون منفذوها إخوة أو آباء للضحية المغدورة,نعم انها مغدورة حين تقتل بدم بارد وبيد أهلها الذين يفترض منهم ان يكونوا حماة لها وذائدين عن حقوقها التي تهدر في كل لحظة وسط أعراف وتقاليد بعيدة كل البعد عن قيم الإنسانية وعن الإسلام السمح ,الذي طالما أوصى بالمرأة وكيف يجب ان تعامل باحترام وإنسانية.
الأعراف الخاطئة والقوانين الغائبة
نشر في: 18 أكتوبر, 2010: 05:32 م