لم أخف عنكم تفاؤلي، الذي كتبت عنه أكثر من مرة، بعد أن زرت تونس برفقة وفد من المثقفين العرب. مبعث تفاؤلي الذي شاركني، أو شاركت به، جميع أعضاء الوفد أن أغلب السياسيين التوانسة هناك يشاركون الغالبية من الشعب في السعي للحفاظ على ملامح الدولة المدنية وإبعاد الدين عن التدخل في شؤونها.
تصاعد تفاؤل زملائي المثقفين يوم التقينا السيد راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإسلامية، إلا أنا. كنت صامتا تماما، على غير عادتي، أثناء حديث الغنوشي وحواراته مع ضيوفه. كان كل الحاضرين تقريبا معجبين بما طرحه الغنوشي، الذي مفاده أنهم (الإسلاميون) وافقوا على إبقاء المادة الدستورية التي تنص على أن "تونس دولة عربية دينها الإسلام"، ولم يطالبوا بإدخال تميمة الإسلاميين المعتادة "مبادئ الإسلام المصدر الأساسي للتشريع" أو على الأقل مصدر أساسي له. كذلك قال بأنهم وافقوا، أيضا، على إبقاء مادة منع تعدد الزوجات رغم أنها تتناقض ومبادئ "العقيدة". ومن دون أن يسأله احد منا عن السبب أوضح بان الذي دعاهم لذلك هو أن المرحلة الانتقالية تحتاج لبعض التنازلات كي يتم التوافق بين "الفرقاء"، من أجل أن تسير الأمور بشكل طبيعي. صراحة هو هذا الذي أخافني، ويخيفني دائما، في حديث جماعة الإسلام السياسي.
لاحظ احد الزملاء عدم ارتياحي فاستغرب: أيه مالك؟ أجبته أن ما قاله الرجل يعني "أن للضرورة أحكام". أي أن موقفهم هذا يدخل في باب "التكتيك" أو سمه "التقية" إن شئت. اليوم هم هكذا لكن لا تضمن أن يكونوا كذلك غدا عندما يفوزون بأغلبية مقاعد البرلمان أو يصبح الرئيس منهم. يا سيدي إنني، وباختصار شديد، يخيفني الذي يتمسكن حتى يتمكن.
وعندما التقينا بالرئيس التونسي المنصف المرزوقي لم يخف، هو الآخر، ارتياحه لموقف الإسلاميين التوانسة. واعتبر أن ما وافقوا عليه بشأن الدستور يكشف عن تفهمهم طبيعة الشعب التونسي وميله الطبيعي نحو الدولة المدنية. أبديت اعتراضي وقلت له صبرا يا سيادة الرئيس فهؤلاء ينتظرون فرصة قادمة وستبدي لك الأيام. وحين قال الرئيس إنهم، حتى وإن فازوا بكرسي الرئاسة أو بأغلبية البرلمان، لن يستمروا لأكثر من دورة أو دورتين. هنا رفعت يدي مرة أخرى معترضا وقلت له إنهم إن حققوا ذلك فعلا فاحسب بقاءهم بالقرون وليس بالعقود أو السنين. اعتبرني الرئيس متشائما جدا، وشاركه في رأيه أغلب الحاضرين أو ربما كلهم.
وحتى أثبت لهم بأنها ليست مسالة تشاؤم أو تفاؤل ضربت التجربة الإيرانية مثلا. وكيف أن الإسلاميين في أول أيام الثورة على الشاه قرّبوا الأحزاب الليبرالية والعلمانية خاصة حزب "تودة" الشيوعي. لكن الخميني حينما تمكن من السلطة، بعد حين، ضربهم وفرض دستورا لا قطرة فيه لحياة ليبرالية أو مدنية. ثم ذكرت تجربة جماعة حزب الدعوة في العراق ومجموعة الاتفاقات التي عقدوها مع باقي الكتل غير الإسلامية، كـ "اتفاقية أربيل". لكنهم مثل إسلاميي إيران ما أن ضمنوا الكرسي حتى ضربوا تلك بالاتفاقية وغيرها عرض الحائط.
أنهيت كلامي موجهاً عيني صوب المثقفين المصرين الذين كانوا ضمن الوفد: اصبروا قليلا فلن يطول الأمر وسترون ما سيفعله مرسي و"إخوانه"، بعد أن قبضوا على كرسي الرئاسة وتمكنوا.
اليوم يكون قد مر شهر على ما توقعته، وها هي مصر يهزها الخوف من شبح الدكتاتورية الجديدة القادمة تحت غطاء الشريعة والخوف على "بيضة" الدين.
يتمسكنون حتى يتمكنوا
[post-views]
نشر في: 1 ديسمبر, 2012: 08:00 م