محمد صادق جرادكيف تتشكل الحكومة العراقية دستوريا ؟ وهل يمكن للمتابع للشأن العراقي أن يكتشف مواطن الخلل إن وجدت في الدستور العراقي ؟ وهل نحن بحاجة لتعديلات دستورية من شأنها أن تؤسس لنظام سياسي طبيعي يكرس حكم الأغلبية السياسية بعيدا عما يسمى بالتوافقات والشراكة وغيرهما من المسميات التي لا يمكن تجاوزها وتجاهلها ؟
ومن أتيح له استقراء الأسباب و المعرقلات التي تواجهها القوى السياسية في العراق في عملية تشكيل الحكومة فسيجد بان النظام البرلماني المتبع في العراق يزيد من صعوبة تشكيل أي حكومة في ظل التنوع الديني والمذهبي والقومي والعرقي في هذا البلد الذي عرف عنه هذا التنوع منذ حقب وعصور بعيدة ، بل هو قائم بالأساس على التنوع.لذا نجد بان إمكانية فوز قائمة واحدة بأية انتخابات صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة دون الحاجة للتحالف مع القوى الأخرى، من أجل تحقيق النسب المئوية التي شرعها الدستور العراقي لعام 2005 .وهذه النسب لا تفضي إلى الشراكة الوطنية كما يتصور البعض بقدر ما هي تفضي للمحاصصة في مستوياتها القومية والفئوية بعيدا عن الكفاءة وبعيدة حتى نتائج الانتخابات ومخرجاتها التي يجب أن تحترم ولا يقفز عليها تحت أية تسمية . من هنا نجد بأن النخب السياسية تشعر الآن بأن الجميع بحاجة للجميع للحصول على منصبه مما يضطرهم للتوافق وتقديم التنازلات في سبيل إرضاء الآخرين على حساب البرامج الانتخابية التي وعدوا بها ناخبيهم وبالتالي تكون نتائج الانتخابات كما أسلفنا ليست هي الفيصل في إفراز الأغلبية السياسية بقدر ما هي ممارسة جماهيرية تكون نتائجها بالمرتبة الثانية أو الثالثة بعد التوافقات وتقاسم السلطة وفق آليات غير ديمقراطية ولقد نص الدستور العراقي في المادة الأولى ما يأتي ( جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني) ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق في تعريف مبسط للنظام البرلماني ّنجد انه( انبثاق الحكومة من البرلمان، ومن الأكثرية البرلمانية بشكل أساسيّ. تمثل الحكومة أمام البرلمان لنيل الثقة، والحكومة تبقى مسؤولة أمام البرلمان الذي انبثقت منه وينبغي أن تظلّ مستعدّة للمثول أمامه على سبيل المساءلة والمحاسبة، وتُقال الحكومة إذا ما سحب البرلمان ثقته بها وفقاً لأحكام الدستور في البلد المعنيّ )أما في النظام الرئاسي فإذا أخذنا التجربة الأمريكية على سبيل المثال، والتي يتضح نظامها الرئاسي في شدته وتطبيقه بأقصى حد ممكن في دستورها من حيث حصر السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية الذي ينتخبه الشعب والفصل الشديد بين السلطات، فرئيس الجمهورية في النظام الرئاسي منوط به السلطة التنفيذية وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة الثانية من دستور،الولايات المتحدة الأمريكية حيث جاء فيها (تناط السلطة التنفيذية برئيس الولايات المتحدة الأمريكية) وهو الذي يشغل هذا المنصب لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد بانتخاب جديد .وهكذا صار من الأهمية بمكان في الأنظمة الجمهورية ان تلتزم دستوريا في النظام الرئاسي حيث يتولى الشعب انتخاب رئيس للجمهورية بواسطة الاقتراع العام وهكذا يحصل الرئيس على قوته ومكانته التي تتساوى مع قوة البرلمان وشرعيته الديمقراطية والشعبية .وبالرغم من المشروعية والشعبية التي يحصل عليها رئيس الدولة في النظام الرئاسي إلا انه يبقى بحاجة إلى الحكمة والكياسة في القيادة ليتمكن من كسب المؤيدين في البرلمان لأنه يعتمد بشكل كبير على الأعضاء الذين يناصرونه حزبيا في البرلمان لكي يسعى لتأسيس أغلبية برلمانية تدعم سياسته في إدارة البلاد .وهكذا يستطيع المراقب المنصف للمشهد السياسي في العراق أن يدرك ان النظام الرئاسي فيه الحل لمشكلاتنا في العراق حيث تعمل الانتخابات على حل الأزمة وليس توليدها، وبمعنى آخر ان الانتخابات ونتائجها في النظام البرلماني الحالي في العراق تضعنا أمام صعوبات كثيرة في تشكيل الحكومة في ظل النتائج المتقاربة للكتل الفائزة ،أما الانتخابات في ظل نظام رئاسي فهي تحدد من سيفوز عبر التنافس في اكثر من جولة انتخابية كما هو في النظام الفرنسي الذي يعد من أنظمة الحكم الديمقراطية الراقية في العالم .
الدستور العراقي وتشكيل الحكومة
نشر في: 22 أكتوبر, 2010: 04:33 م