أوس عز الدين عباسكان العلماء والمثقفون الغربيون الأوائل يسيطرون على جميع ثقافات الشعوب اللاغربية ويعتبرونها ثقافات مختلفة ، ولم تصل بنظرهم الى مرحلة الارتقاء والتطور التي وصل إليها العالم الغربي الصناعي ، وهذا التخلف بنظرهم يعتبرونه بأنه راجع الى طبيعة العقل اللاغربي وهو العقل السلبي نفسه ،
والذي يرتبط بالماضي ولا ينظر إلى المستقبل ، ولذلك فأن حياة تلك الشعوب تميزت بالجمود وانعدام الحركة والتي هي سر التقدم لدى شعوب العالم كافة . وأتخذ الغرب من هذه النظرة ذريعة للاستعمار، تحت دعوة الرغبة النبيلة لديهم في الأرتقاء بتلك الشعوب وإنقاذها من حالة التخلف الاجتماعي والتردي الفكري ، ومساعدتها على الانطلاق إلى آفاق الحياة الحديثة ، حتى يمكنها الاستمتاع بمباهج تلك الحياة قدرالأمكان ، إن لم يكن في استطاعتها الإسهام في تقدمها وتطورها بسبب طبيعة التفكير اللاغربي المتخلف الراكد .rn وقد رفض كثير من العلماء الغربيين والمثقفين المعاصرين هذا التوجه القائم على إطلاق الأحكام الصادرة عن تمركز العقل الغربي حول ذاته ، والجهل بالمقومات الأساسية لتلك الثقافات اللاغربية ، فلكل ثقافة مقوماتها وخصائصها الخاصة بها ، ولكي نفهم طبيعة أي ثقافة فلابد من أن ندرسها داخل إطارها وسياستها، وكذلك الظروف التي تحيط بها ، مع الأخذ بنظر الاعتبار ما تعرضت له تلك الثقافة من عوامل خارجية سلبية والتي تمثلت بالاستعمار الغربي أولا ، ثم في تحكم نظام الدولة والرأسمالية العالمية والمؤسسات والوكالات الدولية والتي لا تخلو من التحيز والتعصب للفكر الغربي ، وأن تغيير هذه الأوضاع من شأنه إتاحة الفرصة لتلك الشعوب والثقافات المختلفة ، لأن تنطلق وتسهم في حركة التاريخ الإنساني ، وهذا هو حادث بالفعل ، ولو في حدود ضيقة نسبيا بعد أن حصلت تلك الشعوب على استقلالها السياسي بعد الحرب العالمية الثانية .وبالرغم من شيوع كلمة ( ثقافة ) ، واستخدامها في كثير من المجالات والمواقف والتخصصات العلمية المختلفة ، فلا يزال الباحثون يختلفون بنظرتهم حول الوصول الى تعريف واحد دقيق حتى داخل التخصص الواحد ، فمثلا في علم ( الأنتروبولوجيا ) توجد مئات من التعريفات والتي قد تؤدي الى البلبلة ، لكنها تكشف عن حقيقة صعوبة وتعقد وتعدد أبعاد هذا المفهوم والذي يخفي تحت بساطته الظاهرية أمورا كثيرة ، مثل المبادئ والقيم بين أفراد المجتمع ، ومظاهر السلوك والعلاقات اليومية والتي تحكم هذه التصرفات والعلاقات ، وكذلك تندرج تحته انماط الفكر وأساليب وأنواع المعرفة المختلفة ، إلا أن الثقافة فوق كل هذا تعتبر قيمة في ذاتها كمصدر أساسي لتوعية الحياة وعاملا مهما في تحديد مقومات الهوية الخاصة بالفرد ، والمحافظة عليها ، وأساليب التعامل بين المواطنين والدولة ، وللعالم الأمريكي ( كليفورد جيرتز ) عبارة مهمة يقول فيها : ( الإنسان حيوان معلق في شبكات من المعاني التي ينسجها هو حول نفسه ، والثقافة هي تلك الشبكات ) ، ثم يردف ذلك بملاحظة مهمة قائلا فيها : ( إن كل شخص ينظر الى تلك الشبكات من زاويته الخاصة ، من حيث الدفاع عن الذات أو الهيمنة على الآخرين ، أ ي من مركز القوة والضعف وفي ضوء العلاقات اليومية المتبادلة ) ، وفي العقود الأخيرة في القرن العشرين ظهرت اهتمامات واسعة لما يعرف باسم ( دراسات ثقافية ) ، وخصصت بعض الجامعات التي تهتم بها دراسات ودورات لذلك الموضوع ، مما ساعد على دخول كلمة ( ثقافة ) الى العلوم الاجتماعية بشكل عام وعلى نطاق واسع امتد الى وسائل الإعلام المختلفة ، كما اتخذ أبعاداً جديدة ومتشعبة لم تكن معروفة من قبل ، وقد وجد هذا المصطلح طريقه الى رجال الحكم والسياسة وكذلك أصحاب القرار ، الذين يستخدمون المصطلح بأسايب وطرق متباينة لكي تتحقق جميع أهدافهم السياسية ، وكما تقول الأستاذة ( سوزان رايت ) في محاضراتها التي ألقتها عام 1977 لمناسبة انتخابها رئيسا لإحدى شعب الرابطة البريطانية لتقدم العلم : ( أن المحافظين في بريطانيا استخدموا هذا المصطلح بكثرة في حديثهم عن القومية والمواطنة والانتماء الوطني لكي يبعدوا عن أنفسهم شبهة اتهامهم بالتعصب للعرقية البيولوجية كأساس للمواطنة ، ولكنهم كانوا في نفس الوقت يضيعون بطريقة ملتوية شروط ثقافية مبهمة ، من شأنها في آخر الأمر استبعاد الكثيرين وإلغاء الانتماء على من تتوافر فيهم تلك الشروط ، وهم بطبيعة الحال الفئات التي تنتمي الى الأعراف الغربية البيضاء ) ، وعلى الجانب الأخر أستخدمت منظمة اليونسكو كلمة ( ثقافة ) في كتابها الشهير بأسم ( التنوع البشري الخلاق ) ، كأساس لسياسة الأخلاقيات والتنمية العالمية ، وواضح من ذلك أن السياسيين والأكاديميين يستوون في استخدام هذه الكلمة كأداة لوضع خطط وبرامج للمستقبل تتعلق بالتنمية ورسم العلاقات المختلفة بين جميع البشر .فالهوية ليست فقط حمل جنسية الدولة التي يعيش فيها الشخص ، لكنها هي شعور بالانتماء والولاء وتقبل للقيم والأفكار ، واتباع أساليب الحياة السائدة في المجتمع ومشاركة وجدانية في آمال وطموحات المجتمع ، واندماج عاطفي وفكري مع بقية السكان والمواطنين ، وقد عبر عن ذلك العالم جون باتن وهو وزير في إ
العولمة ودور الثقافة فـي تحديد سياستها
نشر في: 23 أكتوبر, 2010: 06:18 م