د. عبد لله المدني يقال أن الزعماء الديكتاتوريين في العالم الثالث لا يؤرقهم سوى مسألة غيابهم عن السلطة، لذا يحاولون التشبت بها وإطالة أمد استمرارهم في الحكم إلى أقصى حد، فإن اضطروا اضطرارا إلى الغياب عن المشهد السياسي
تحت ضغط العجز واشتداد المرض فإنهم يحاولون أن يضمنوا على الأقل أيلولة السلطة إلى واحد من سلالتهم.وربما هذا وحده يفسر ما حدث أخيرا في أكثـر دول العالم غموضا وشمولية وهي كوريا الشمالية، حينما عين الزعيم "الغالي" و "شمس القرن 21 " كيم جونغ إيل، المصاب بالوهن والضعف الناجمين عن شراهته للطعام والشراب وحبه للسهر واللهو، أبنه الأصغر "كيم جونغ أون" (27 عاما) كخليفة له على عرش هذه الجمهورية الاشتراكية الستالينية.وما حدث أكد ما تناوله مراقبو الشؤون الكورية منذ أكثر من عام، حينما ذكرت مصادر صينية ويابانية وكورية جنوبية أن شكلا من أشكال التنافس يدور في أوساط "آل كيم" حول خلافة والدهم، وأن الأخير قد حسم الأمر لصالح أبنه الأصغر "كيم جونغ أون" متجاوزا بذلك إبنه الأكبر "كيم جونغ تشول" بسبب ميوعته التي لا تليق بقائد سوف يدير نظاما جديدا ودولة بوليسية، علاوة على الفضيحة التي تورط فيها في مطار "ناريتا" الياباني في عام 2001 حينما أوقفته السلطات اليابانية وهو يحاول دخول طوكيو باسم صيني مستعار، وجواز سفر مزور تابع لجمهورية الدومنيكان، من أجل زيارة مدينة الألعاب الأمريكية "ديزني لاند"، ومتجاوزا أيضاً أبنه الأوسط "كيم جونغ نام" لأسباب غير معروفة، علما بأن هذا الأخير شقيق للابن الأكبر "كيم جونغ تشول"، وأمهما هي الراقصة السابقة "كيم يونغ هي"، إحدى محظيات الزعيم "الغالي" والتي ماتت بالسرطان في عام 2004 في ظروف غامضة، علما بأن هذه الراقصة ولدت في اليابان لعائلة كورية كادحة أنتقل ربها لاحقا إلى بيونغيانغ في الستينات مدفوعا بأوهام العدالة والإنصاف في جنة الاشتراكية الكورية.وهكذا عرف العالم للمرة الأولى أسم زعيم كوريا الشمالية المقبل، وشاهدوا صورته التي وزعتها وكالة أنباء بلاده الرسمية، والتي بدا فيها صاحب شفاه غليظة وكرشة متدلية ورقبة عريضة، وهو ما أعطى انطباعا سلبيا في بلد يئن شعبه من الجوع والفاقة والمرض. أما الكوريون الشماليون فقد أيقنوا أن أمل التغيير في بلادهم بات بعيد المنال طالما أن "آل كيم" يتناوبون على السلطة جيلا بعد جيل.غير أن السلطات وهي تنشر صورة "كيم جونغ أون" حرصت على أن تكون الصورة جماعية، بمعنى جلوسه إلى جوار والده وأثنين من كبار قادة الجيش الكوري الأحمر، وذلك بقصد إرسال رسالة لمن يعنيه الأمر أن "كيو جونغ إيل" لا يزال هو القائد "الغالي" وأن أبنه مجرد "ديكتاتور" صغير تحت التمرين.وتزامن الإعلان عن اسم هذا الشاب اليافع عديم الخبرة كخليفة لوالده مع خبر إنعام الأب على أبنه الشاب برتبة جنرال بمناسبة انعقاد المؤتمر العام لحزب العمال الشيوعي الحاكم، علما بأن هذا المؤتمر لم ينعقد سوى مرتين من قبل، كانت الأولى في عام 1958 وخصص لتعزيز الوحدة الوطنية والتلاحم الداخلي خلف قيادة القائد المؤسس "كيم إيل سونغ"، والثانية في عام 1966 وخصص لتحليل الأوضاع الدولية والإقليمية وبيان موقع الحزب داخل معسكر الاشتراكية العالمية.كما تزامن هذا التطور مع تطور آخر تمثل في استحداث ما سمي بـ "لجنة الحزب العسكرية" مع إسناد رئاستها إلى الماريشال العجوز "ري يونغ هو" الذي ظهر في الصورة الرسمية آنفة الذكر جالسا ببزته العسكرية الرمادية ونياشينه وقبعته المشابهة لمقلاة البيض العريضة إلى جانب زعيم البلاد وخليفته. ويقول البعض إن استحداث هذه اللجنة لا قيمة فعلية له على اعتبار أن مركز الثقل العسكري يكمن في "لجنة الدفاع الوطني" التابعة للحزب الحاكم والتي يتولى "كيم جونغ إيل" قيادتها شخصيا، غير أن البعض الآخر لا يقلل من قيمة اللجنة الجديدة ويقول أنها استحدثت خصيصا لتكون مدرسة يتدرب فيها زعيم البلاد المقبل، خصوصا مع تعمد منح قيادتها إلى الماريشال العجوز الذي أفنى عمره في إدارة مدارس التدريب الحربية التي خرّجت مئات الآلاف من العناصر العسكرية الأكثر بأسا وتحملا على الشدائد في العالم، والأكثر اعتناقا لظاهرة عبادة الفرد.وإذا ما صح الرأي الأخير فإنه ينتظر أن يأخذ الماريشال العجوز بيد الشاب اليافع، يعلمه ويطوف به على منشآت البلاد العسكرية، ويعرّفه على طبيعتها وكيفية التحكم في أسلحتها التدميرية والبيولوجية والكيماوية من تلك التي توجد مفاتيحها حاليا في يد "شمس القرن 21 "، ناهيك عن تدريبه على كيفية إدارة جيش ضخم قوامه أكثر من مليون جندي ،علاوة على أربعة ملايين من عناصر الاحتياط المدربين والمشبعين بقيم الولاء والدفاع عن الزعيم الفرد وسلالته. كما يـُنتظر أن يتعاون العجوز والشاب من أجل وضع الخطط الضرورية لتفعيل سياسة &
"شمـس القـرن 21" يختـار ولـي عهـده
نشر في: 23 أكتوبر, 2010: 06:19 م