كنت وما زلت من المعجبين بكتابات العراقي اليهودي سامي موريه، والتي اعتاد نشرها في صحيفة إيلاف الإلكترونية، وقد تابعت مؤخراً الجزء الخامس من سداسيته "بصراحة.. رداً على استفسارات"، والتي يشرح فيها موقف العراقي اليهودي من دولة إسرائيل, وموقف العرب دولاً وشعوباً من مواطنيهم اليهود، واستوقفني في هذا الجزء محاولته تسويغ تعامل الدولة العبرية السلبي مع المهجرين إليها من العراق، وهو يورد لذلك الكثير من الأمثلة، عن تعامل المجتمع الاسرائيلي مع مهاجرين إليه من عدة دول عربية وغربية، لكنه يؤكد أن الحكومة الاسرائيلية تداركت الأمر، فسنت قوانين صارمة وغرامات باهظة على كل من تشم منه رائحة العنصرية والتمييز الديني، لكنه يغفل التصرفات العنصرية للحكومات الاسرائيلية كلها، ضد الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين ويهوداً.
يعترف سامي موريه بحصوله كإسرائيلي من أصل عراقي على كامل حقوقه، بل أكثر مما كان يحلم به، ويعترف بأن ذلك يعود إلى اجتهاده الشخصي في استيعاب مبادئ المجتمع الجديد وفهمه، ويصفه بأنه مجتمع يقدس الثقافة والفن ومطالعة الكتب والصحف، والتنافس العلمي والأدبي والفني، لكنه يعترف أيضاً بأنه كان لزاماً عليه كيهودي شرقي أن يبذل أضعاف الجهد الذي يبذله اليهودي الأوربي، لكي يكون على قدم المساواة معه، ويعدد النجاحات التي أحرزها بسبب نشاطه المتميز والمضاعف، مشيراً إلى أن المجتمع الأكاديمي في إسرائيل لا يفرق بين طلبته ومدرسيه بسبب أصولهم، وهو يعتبر ذلك ميزة إيجابية، لايمكننا التوثق من صحتها أو انطباقها على الآخرين كما انطبقت على موريه، الذي يقرر دون أدلة أن إسرائيل تفضل الطالب العربي المتفوق والأمين على غيره من الطلبة.
المدهش هو رغبة موريه بتطبيق المعايير ذاتها على اللاجئين الفلسطينيين والعرب اليهود، وهو رغم اعترافه بأن الطرفين هجرا بالقوة من وطنهم، يتجاهل أن ما ينطبق على العراقيين اليهود لا ينطبق على غيرهم من العرب اليهود، الذين هاجروا بمحض إرادتهم إلى الوطن الموعود، سواء من سوريا أو لبنان أو المغرب العربي وحتى من مصر، ويقول إن اليهود الذين سكنوا الخيام في السنوات السوداء الأولى من هجرتهم، كانوا يتعاطفون مع الفلسطينيين الذين ظلمهم قادتهم وحكام البلاد العربية ولم يحسنوا رعايتهم والعناية بهم، وكأنه بذلك يطالب بتوطينهم في البلدان التي هجروا إليها، لينالوا فيها ما ناله هو شخصيا في إسرائيل، قبل أن يذهب إلى مغالطة فاحشة حين يقرر أن العرب يواصلون رفض حل المشكلة الفلسطينية عن طريق المفاوضات، ولعله لم يسمع بعد بالمبادرة العربية التي انطلقت من قمة بيروت عام 2002، ولم يلاحظ مماطلة حكومات دولته في تطبيق اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين طوال ما يقرب من 15 عاماً.
يسعى موريه إلى إحالتنا إلى بدايات الصراع العربي الإسرائيلي، قافزاً عن كل التطورات التي يمكن النظر إليها من الزاوية الإيجابية، كمعاهدتي السلام مع مصر والاردن، وهو يتوقف عند إعلان الدول العربية الحرب على الدولة الجديدة التي تنشأ في محيطهم وتستورد مواطنيها من كل بقاع الأرض بقومياتهم المختلفة والمتباينة والمتضادة في بعض الأحيان، ويسأل بغير براءة ، كيف كان سيتصرف العرب مع اليهود لو انتصروا عليهم في فلسطين في حرب 1948 والقوا بإسرائيل الى البحر؟ والأكثر إثارة للدهشة أن سامي يسوغ لدولته بناء سور حولها، ويرى بعين غير منصفة أن ذلك يتم لمنع التسلل والتخريب والسرقات، قافزاً مرةً أخرى عن محاولة الحكومات الاسرائيلية لقصر المواطنة على معتنقي الديانة الموسوية، مع دلالات ذلك العنصرية وسيادة عقلية الغيتو، وعدم الرغبة في التعايش مع المحيط العربي المسلم، الذي يواصل تقديم المبادرات للوصول إلى حال من التعايش، يبدو أن رافضيها هم المتعصبون من الطرفين العربي والاسرائيلي.
نقر بأن للعرب اليهود الحق في استعادة ممتلكاتهم، إن لم يكونوا باعوها وقبضوا ثمنها، لكن المطلوب أيضاً أن يكون هذا الحق متاحاً للفلسطينيين، أليس ذلك هو العدل يا صديقنا سامي؟.