TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أعداء النبي إبراهيم

أعداء النبي إبراهيم

نشر في: 1 ديسمبر, 2012: 08:00 م

المشكلة الأساسية بين الديني واللاديني يجب أن لا تكون مشكلة عاطفية، يجب أن لا يكونوا أعداءً فيما بينهم، أبداً. على الأقل الصادقين من كلا الطرفين، فالموضوع في أساسه مرتبط بالآليات التي يستخدمها كل منهما في إدراك الوجود والإجابة على أسئلته الكبرى.

نحن جميعاً نتعامل مع الإطار الخارجي للمشكلة، فنعتقد بأن اللاديني يختار لادينيته، كما أن الديني يختار دينيته. لكن للمشكلة أغواراً أكثر عمقاً من الاختيار. فهناك وعي احب أن اسميه أنا بـ(الوعي الإنقلابي) وهناك الوعي المألوف، والفرق بين هذين النموذجين هو أن الأول لا يستطيع أن يستورد قناعاته من الآخرين، بل يريد أن يمارس عملية الاقتناع بنفسه، فلا يستطيع التسليم بفرضية ما، لمجرد أن الأكثرية تؤمن بصحتها. هو لا يستطيع أن يؤمن إيماناً تسليمياً، كما يفعل "الوعي المألوف" بل هو مريض بالشك ما يدفعه للبحث في صدق وعدم صدق القضايا التي يؤمن بها الآخرون.

وهذا الأمر ينجر على كل من يعاني من مرض الشك هذا، وهو مرض لأنه يجلب الأعداء، ويجعل الآخرين يعتقدون بأنك بالضد من عقائدهم، وسواء أكانت هذه العقائد دينية أو حتى علمية، فالفرضيات العلمية كثيرا ما تتحول، عند اصحاب الوعي المألوف من "العلماء"، إلى عقيدة يدافعون عنها وينافحون، بالضبط كما يفعل المتدينون، وقد يتهمون من يشكك فيها بالعمالة. هذا ما يثبته التاريخ.. فالذين تصدوا لغاليلو لم يكونوا متدينين كلهم، كما أن كثيراً من العلماء تصدوا لآينشتاين، ولدارون، مدفوعين بقلقهم على مسلماتهم العلمية، التي تعاملوا معها وكأنها عقائد مقدسة.

تنطلق هندسة أوقليدس عن جملة من المسلمات منها مسلمة التوازي التي تقول: "من نقطة خارج المستقيم يمكن رسم مستقيم واحد فقط مواز للأول" ومن خلال هذه المسلمة برهن اوقليدس على أن مجموع زوايا المثلث تساوي دائماً (180 درجة). هذه المسلمة بقيت صامدة مئات السنين، رغم أن أحداً لم يتمكن من البرهنة عليها، إلى أن جاء العالم الروسي لوباتشيفسكي (1793- 1856)، الذي برهن على إمكان رسم عدة موازيات للخط المستقيم الواحد من نفس النقطة. لكن ما الذي دفع لوباتشيفسكي إلى البحث عن برهان يثبت هذه المسلمة رغم أن الجميع يؤمن بصحتها؟ أو على الأقل لم يكتشف أحد أي خطأ في النتائج التي بُنيت عليها، وهذا بحد ذاته يكفي لإثبات صحتها. لكن هذا ما يقبل به اصحاب الوعي المألوف، ربما الوعي غير المريض بمرض الشك، الذي يرسم صاحبه علامة استفهام إزاء أي مسلمة لم يتم اثباتها بشكل يرضيه هو. وهذا ما دفع هذا الرجل لمزيد من البحث، فتمكن من أن يلفت النظر إلى أن هندسة أوقليدس صحيحة دائماً في "البيئة المسطحة"، أما "البيئة المقعرة"، فلا تَصْدُق فيها، وهكذا تمكن من اكتشاف هندسة جديدة، سجلت باسمه.

بمرض الشك هذا أصيب آينشتاين، ونيوتن، ودارون، وغاليلو، وبه أصيب الانبياء جميعهم، فسبب النبوة هو عدم قدرة النبي على التسليم بكامل مسلمات الشريعة التي يجدها سائدة في عصره، ما يدفعه لنقد هذه المسلمات، وهو السبب الذي دفع إبراهيم إلى الهجوم بفأس شكه على هيكل الوعي السائد في زمانه وتكسير أوثانه المقدسة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الأعرجي: نثمن موقف الشرع لتصحيح الأخطاء بانطلاقة قوية لبناء سوريا

اليوم.. انطلاق جولة جديدة من دوري نجوم العراق

إسرائيل تهدد لبنان: لن نسمح بالعودة الى واقع 7 اكتوبر

بعد العيد.. اتحاد الكرة: سنحسم ملف مدرب المنتخب الوطني

حزب الله ينفي صلته بقصف شمال فلسطين

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سافرات العبادي

العمود الثامن: غزوة علي الطالقاني

قناطر: البصرة في جذع النخلة.. الطالقاني على الكورنيش

كيف يحرر التفكير النقدي عقولنا من قيود الجهل والتبعية؟

العمود الثامن: العدالة على الطريقة العراقية

العمود الثامن: السعادة على توقيت الإمارات

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجزعن مواجهة واقع يسير بنا إلى...
علي حسين

كلاكيت: عن (السينمائي) وعبد العليم البناء

 علاء المفرجي علاقتي مع (السينمائي) لها حكاية، تبدأ من اختياري لها لكتابة عمودي (كلاكيت) منذ عددها الأول، ولا تنتهي بعددها الأخير. ولئن (السينمائي) تحتفل بعشريتها الأولى، كان لزاما عليّ أن أحتفل معها بهذا...
علاء المفرجي

تركيا تواجه التحول الجيوسياسي الناجم عن عودة دونالد ترامب إلى السلطة

جان ماركو ترجمة: عدوية الهلالي في الأسابيع الأخيرة، ومع ظهور الديناميكيات الجديدة للجغرافيا السياسية لترامب، تركز الاهتمام إلى حد كبير على اللاعبين الرئيسيين في الساحة الدولية، بدلاً من التركيز على دول الطرف الثالث التي...
جان ماركو

منطق القوة وقوة المنطق.. أين يتجه صراع طهران وواشنطن؟

محمد علي الحيدري يبدو أن ملف التفاوض بين إيران والولايات المتحدة دخل مرحلة جديدة من التعقيد، ليس بسبب طبيعة الخلافات القديمة، بل نتيجة تبدّل ميزان القوى الإقليمي والدولي، الذي بات يفرض مقاربة مختلفة عن...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram