TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > تنويعات على ثيمة واحدة

تنويعات على ثيمة واحدة

نشر في: 26 أكتوبر, 2010: 05:44 م

سهيل سامي نادراعتمد الفنان سيروان باران في معرضه الذي أقيم العام الماضي في دمشق على ثيمة تتحدث عن نفسها ، أو تتداعى من نفسها في حالات وأوضاع مدركة أو مخمنة أو متوقعة. إنها حركة عاطفة ، وأوضاع جسد ، ورغبة ، وملامسة.. وباختصار إنها القبلة!
ما الذي نتوقعه؟ الكثير. ربما على عدد الناس الذين نعرفهم ولا نعرفهم، الذين جربوا القبلات كتعبير عن غرامياتهم السعيدة وأرادوا المزيد منها أو من خيّبت آمالهم وخرجوا من التجربة بوعد الانتباه في المرة القادمة، الحسّيون بلا إشباع،والمتأملون عند أقل ملامسة ، المتسامون الروحانيون والايروتيكيون الذين يشركون خيالهم ، التذكاريون الحزانى والمستعجلون المتقلبون في المزاج والرغبة. بالإمكان أن نتحدث مطولاً ههنا وننتقل إلى الأدب ، حيث الكلام يجر الكلام ، والنماذج الإنسانية التي نعترف أنها لا تحصى تتكاثر وتنقسم عندما تلتحق بها الرؤى والأفكار والحساسيات والاحتياجات العاطفية. لكن دعونا نتفحص ما تظهره أعمال سيروان عن القبلة، أعني رؤيته الخاصة. فهو من الوهلة الأولى يرتفع بملامسة الشفاه إلى حالة من العناق المثير الذي يرقى الى الاندماج بين جسدين . القبلة عنده تكف عن أن تكون مجرد ملامسة عادية بين شفتين بل هي استغراق ، وتوحد ، ووله ، وامتزاج الى حد اختفاء فردية الجسدين وتحوله إلى جسد واحد ، بل الى كتلة متراصة. والحال أن الفنان يجري تحديدات فاترة ، وخطّية ثاوية بوجه خاص، ليشير الى وجود جسدين ، ولاسيما خطوط الأذرع ، وأحيانا الرؤوس التي استبعد الفنان ملامحها الشخصية، أما السيقان التي نتوقع أنها ستكون محددة بعض الشيء ، بسبب خواصها النافرة والمتحركة ، فقد اختزلها في أكثر أعماله ، وقربهما من نتوءات صغيرة شبه حيوانية. وإذا ما بدا مثل هذا الإجراء غريباً ، ولاسيما أن خطوط السيقان تهب للجسد  توازنه الطبيعي وعناصر القوة الديناميكية في الشد والإرخاء والتعبير العاطفي في الاحتضان ، فلا أرى في هذا الاختزال التعبيري والتجريدي إلا كإجراء يبقي على الحجم الجسدي في حالة مستقرة، ويهب لوزن الكتلة التعبيري ثقلاً أضافياً، ويقلل من التشتت البصري الذي تثيره حركة الإقدام ، أو خطوطها الخارجية الرشيقة المنسرحة .إن هذا التفسير الفني لا ينفي وجود ملامح تعبيرية خاصة بالمبالغة او التشويه ، أو وجود نوع من التداعي الرمزي لفكرة الجسد.  يلجأ الفنان إلى إجراء إضافي لتعزيز الحسّ بالكتلة وتماسكها التعبيري ، باختيار قياسات كبيرة في المساحة، مع ضمان اشتغال هذه المساحة كخلفية. هذا التدبير يقوي عرض الكتلة في تمايزها الشكلي والتعبيري العاطفي، ويموقعها في إسقاط حاد. بيد أن الفنان الذي ألغى الوضعيات الطبيعية في بناء اللوحة وبناء أشكاله على حد سواء ، يفضل كما هو واضح العرض الفني كفضاء تعبيري عام، ويلغي، وأحيانا يضعف، أي علامات نستنتج منها وجود إطار استناد مكاني أو ما يشير الى ذلك. سواء كشف لنا سيروان عن فكرته المثالية عن الوضعيات الحميمية أو أخفاها ، فإنه لا يستطيع ان يواصل لونه العاطفي الجاد عنها الى النهاية. ذلكم هو شأن الحكايات الغرامية كافة التي لا يمكن إخفاؤها عن العقل في نكده المعتاد وتشاؤمه الذاتي ، فيحولها الى شغب وهزل. هذا ما سوف يفعله سيروان في النهاية ، عندما يصور وضعيات نبتسم لها لأنها إما تبدو غريبة بعض الشيء مسّتها يد مرحة، وإما جاءت كاستطراد لتعبيرية أسلوبية تلفق وتصوغ أوضاعاً ونسباً مشوهة أو مبالغاً بها. لكن هناك ترابطات فنية وظيفية تجعل من ذلك الشغب مبرراً على المستوى الفني، فهو يظهر في حالتين : الأولى عندما يفصل الفنان بين الرجل والمرأة، أو بين كائنين بوجه عام، ويظهرهما كجسدين منفصلين، فكأن هذا الانفصال يقوي تلقائياً وعيهما الذاتي على نحو ينظران الى جسديهما من الخارج كما يفعل الوعي الذاتي المعتاد حقاً. والثانية عندما يستخدم الخطوط والشرائط اللونية في تعابير عاطفية شبه دائرية مثيرة لبناء أشكاله ، فهذا الأسلوب يعبر عن حركة تتجه الى الخارج ثم تعود أدراجها. بدأ سيروان فناناً واقعياً ، يفاجئنا بين الحين والحين برسوم خيالية وتعبيرية . وقد أحب رسم الخيول ، وبعض الحيوانات الأخرى، ورسومه عنها تمتاز بحيوية تعبيرية ورغبة بالتجريد ، رغبة نراها مجسدة في إطلاق أجساد الحيوانات من أسرها البيئي. لقد صور الخيول طليقة ، شرسة بعض الشيء، متحركة، ومتخبطة في حركتها أحياناً ، شقية وحزينة، تقوم بدورانات هائجة. في النهاية أوقف سيروان هذا العرض الجسدي المتحرك ليقترب منه ككتلة حزينة بخطوط رشيقة. لقد أوقف الهياج وبدأ التأمل ، فراح يصنع أعماله من تكرار مقاطع جسدية من الخيول. ثمة فترة اختار فيها سيروان أن يكون تجريدياً، إلا أن تجريديته تبدو مثل حركة اقتراب شديد من جسد ما. قد يسمح لنا هذا الانطباع بالتوصل الى اقتراح قابل للنقاش، فلعلّ اقترابه من أجساد خيوله أفضى به إلى نتيجتين مختلفتين: الأولى هي التجريد عن طريق تضييع التفاصيل والخطوط المحيطية ، والثانية إسقاط جسديات قوية على السطوح. والنتيجة الثانية نجدها في أعمال هذا المعرض.في الأعمال الفنية تتحول التصاميم والأفكار التشكيلية على نحو ليس من الس

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram