TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > العلمانية ومستقبلها فـي العراق

العلمانية ومستقبلها فـي العراق

نشر في: 27 أكتوبر, 2010: 05:20 م

محمد صادق جرادربما يتفق معي البعض على إننا دائما ما نسمع في مجتمعنا العراقي والعربي  عبارة ( ان الحل يكمن في العلمانية )وإذا ما أردنا ان نعرف كيف ظهرت الحاجة للعلمانية فسنكتشف ان ظهور العلمانية ارتبط بشكل كبير بالصراع المرير الذي عاشه الغرب المسيحي
 عبر عقود طويلة ورحلة معاناة ما زالت عالقة في الذاكرة لدى المجتمع الغربي، حينما مارست الكنيسة طقوس التسلط والظلم ضد أبنائها وكانت حينها مصدراً للجهل والتخلف ومثالاً للقسوة ومعيناً للظالمين من رجال السلطة والإقطاعيين الذين كانوا يستعبدون الناس بمساعدة ومباركة رجال الكنيسة (الاكليروس)، ما جعل الكنيسة ورجال الدين عبئا ثقيلا على المجتمع الغربي وكابوسا مريعا يستغل الدين أبشع استغلال لتتحول الكنيسة الى الإقطاعي الأكبر الذي استعبد العامة وأذاقهم كل أنواع الظلم والعذاب .وكان من الطبيعي ان يصدر رد فعل من اجل التخلص من هذه الممارسات والتدخلات التي قامت بها الكنيسة ،فكان ظهور الفكر الجديد ( العلمانية ) الذي دعا إلى إقامة الحياة وإدارة الدولة على أسس العلم الوضعية واعتماد العقل والابتعاد عن الدين وعدم السماح بالتصريح به إلا في حدود معينة لا تتعدى الكنيسة او داخل ضمير الفرد .ومن هنا جاء تعريف  جون هوليوك الذي عرف العلمانية بأنها: "الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الإيمان سواء بالقبول أو الرفض" ويرى عدد آخر من المفكرين ان العلمانية هي فصل الدين عن الدولة ( separation of church and state ) وهو من أكثر التعاريف شيوعاً سواء في الغرب أو في الشرق، وهو يعني " فصل المؤسسات الدينية ( الكنيسة او المسجد  ) عن المؤسسات السياسية ( الدولة ) " وبذلك تحصر العلمانية في المجال السياسي وربما الاقتصادي فحسب .وتطور هذا التعريف في ما بعد، وأصبحت العلمانية تعني البعد عن الدين واعتباره علاقة روحية محصورة في المسجد أو الكنيسة، ولا علاقة له بشؤون الحياة العامة والخاصة. نستطيع ان نفهم من تعريف العلمانية إنها تهدف إلى نزع السلطة عن الدين وعن الإرادة الإلهية في تسيير أمور الناس وإعطائها بيد البشر الذين يعتبرهم التعريف أفضل من الخالق في تصريف الكون وتشريع القوانين وتحديد قيم الخير والشر .ولقد جاء هذا التفسير الخاطئ نتيجة ممارسات الكنيسة التي ابتعدت عن التعاليم السماوية وبررت للغرب الابتعاد عن الدين الذي تم تحريفه من قبل رجال الكنيسة آنذاك .وربما كان كل هذا مبرراً للغرب للبحث عن بديل ومخرج يمكّنهم من الإصلاح السياسي عبر تهميش دور الكنيسة واللجوء إلى العلمانية كبديل ناجح .ولكن ما يؤاخذ عليه الغرب إنهم لم يبحثوا عن المسيحية الحقيقية والبعيدة عن التحريف واكتفوا باتخاذ قرارهم بسلب السلطة الإلهية حقها في تشريع وتنظيم حياة الناس .ومن الجدير بالذكر هنا إن تلك الأسباب التي أدت إلى ظهور الحاجة للعلمانية في الغرب لم تكن موجودة إلى حد كبير في مجتمعاتنا الإسلامية لان الإسلام وشريعته السمحاء قد استوعبت مجالات الحياة كافة بالإضافة إلى إن مبادئ التشريع في الإسلام قد فسحت المجال للاجتهاد الذي يستجيب لاحتياجات الناس في كل زمان ومكان .ويلاحظ الجميع ان الكثير من العلماء ورجال الدين المسلمين يدعون إلى التجديد الديني ومحاولة استنباط الأحكام بما يتلاءم مع روح العصر ويسهل التزام الشارع بتعاليم الدين.هنا ربما علينا ان نتساءل ,لماذا نجد المطالبات اليوم بان تكون العلمانية هي الحل مادام الإسلام ديناً متجدداً وبإمكانه استيعاب مجالات الحياة ؟الجواب ربما سيغضب البعض ،لان السبب يكمن في التطبيق الخاطئ للإسلام من قبل بعض الحكومات في الدول الإسلامية بالإضافة إلى الممارسات الخاطئة التي تقوم بها عصابات القاعدة ومنظمات وأحزاب إسلامية متشددة تعطي صورة مشوهة للإسلام وتلاقي رفضا شعبيا كبيرا ،الأمر الذي جعل الناس ينفرون من الدين لأنهم يعتبرون تلك المنظمات الإرهابية ممثلة للإسلام وبهذا الخلط بين الأوراق يبدأ المجتمع بمحاولة الهروب إلى العلمانية كحل بديل .  إذن هل سنجد مستقبلا للعلمانية في العراق ؟ الجواب ممكن ان نلخصه بأننا بدأنا نشهد ظهور علمانية جديدة في العراق نستطيع أن نسميها(الإسلام العلماني) الذي يسعى إلى الاعتماد على الحداثة والمدنية في إدارة شؤون الدولة بعيداً عن تأثير المؤسسة الدينية في البلد والتي تسعى بدورها الى ممارسة دورها الاجتماعي والديني دون التقاطع مع دور الدولة ومؤسساتها الدستورية .وهذه تعد فرصة كبيرة للأحزاب الإسلامية المعتدلة لبلورة صيغة جديدة من فن إدارة الدولة بأسلوب يعتمد الحداثة بمفهومها العلمي الجديد دون المساس بالمادة (2) أولاً من الدستور العراقي والتي نجدها في جميع الدساتير العربية والإسلامية حيث تنص على ( إن الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ أساس للتشريع ).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram