د. لقاء موسى فنجانقدم أبو زيد ضمن مشروعه الفكري إجابات إبداعية تنتشل الفكر العربي الإسلامي الراهن من أزمة التكرار والتقليد والاغتراب، إذ طرح إشكاليات في عمق الثقافة العربية الإسلامية كالتجديد والتقليد والإسلام والحداثة انطلاقا من قراءات متعددة للنص القرآني المشكل الأول لهذه الحضارة.
وقد يجوز وصف هذه القراءة التي قدمها أبو زيد بأنها تأويل يستخدم منهجيات معاصرة ومتابعات نقدية بعيدة عن تكرار المسلمات متجاورا العوائق النفسية والمعرفية للمثقف العربي.rnاقترح أبو زيد الأخذ بالبعد الاجتماعي والتاريخي في التعامل مع النصوص القرآنية ونبه للجانب البشري في القرآن الكريم ويقصد به جانب التلقي. فالقرآن بحسبه كتاب الله المنزل على رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) وهو الجانب الإلهي، ولكن يظل الفهم والتفسير والتلقي الجانب البشري الذي يتغير وفقا للأبعاد التاريخية والاجتماعية التي يفرضها كل زمن وتختلف تماما عن الزمن الذي سبقه، لذا رفض أبو زيد ان تظل العلاقة علاقة استلاب، فما زالت الثقافة العربية الإسلامية تحت هيمنة النص مما حجب لسنوات طويلة رؤية علمية متجاوزة لم تعد استشرافية ولا قادرة على تغيير بناءات نظرية متآكلة.لقد ظهرت مؤلفات (أبو زيد) في مرحلة نزاع حول من يملك الحق في تفسير النص القرآني: التيارات الدينية السياسية المتغلبة على الساحة العربية ام التيارات الفكرية العلمانية التي توظف آليات العلم وتتحرر من سلطة الآخر بما فيها النصوص ذاتها؟ فخلق علاقة الحوار بين القارئ والنص يدخل فيها الفكر محاورا للتراث ذاته وليس مع مجرد نص مكتوب من الماضي. لذا فقد واجه أبو زيد صراعا قويا مع القوى الماضوية التي تستمد سلطتها مع بقاء الحل كما هو وتدعي ما ليس لها من احتكار الحق في التعامل مع ما هو مقدس وافتراض القدسية لغير المقدس أصلا. فكانت مواجهة شجاعة تمثلت بمواصلة الإنتاج الفكري الذي أغنى حياتنا الثقافية والفكرية الراكدة وأضفت عليها الموضوعية والتحرر. لقد آمن أبو زيد بان الإصلاح طريق الباحث الحق إلى تحرير مجتمع غارق في حمى الجاهلات ومطوق بالفتاوى الدينية الابتزازية التي تلعب على وتر العاطفة لتصل الى مكاسب سياسية ومادية، مستخدمة الفقراء ومتسلطة على رقابهم.وقد دافع عن الثقافة الإسلامية ضد من يتهمها بأنها ثقافة تنتج الدكتاتورية فأكد أن الإسلام في نصوصه الأصلية ضد التعصب، ولكن في عصور الأزمة يعطى تفسير ديني للتعصب وهذا الأخير ينجم من الصراعات السياسية على السلطة التي تحتكر الدين. لذلك يرى وجوب الفصل بين السلطة السياسية والدين لان الدولة نتاج جملة، ومن المفاهيم منها مفهوم سلطة الدولة ومفهوم الشعب، ولما كان الشعب ينقسم الى (أديان ومذاهب وطوائف) متعددة فان التعدد لا يتلاءم ومفهوم الدولة الدينية التي تقصي المخالفين في النهاية، لذلك ناقش أبو زيد وجود تيارين في الفكر الإسلامي التيار الأشعري والتيار المعتزلي ونظر في علاقة هذا الفكر بسياقه الاجتماعي والتاريخي وناقش استمرارية التيارين في التاريخ الإسلامي، فالوهابية على سبيل المثال امتداد للحنبلية والجوزية وابن تيمية، وكلها صاغت مفهومات للدولة وأقامت لاهوتاً يساند الدولة. كذلك الفكر المعتزلي فرغم تطور آلياته الفكرية والعقلية إلا أنهم حكموا على أنفسهم بالموت حين قبلوا باسم تحالفهم مع السلطة أن يضطهدوا خصومهم ليعاملهم في ما بعد خصومهم بالمثل. ويرى أنهم لو اعتمدوا الحوار مع خصومهم الاشاعرة لكانوا قد أسسوا تاريخا جديدا للحوار الإسلامي. لكن هذا لم يحدث مما رسخ الواحدية وإقصاء الآخر في التفكير السياسي الإسلامي.لقد قدم أبو زيد مشروعا ينطوي على إشكال الدعوة إلى العقلانية والتقدم وتحرير الدين من الأوهام والأساطير لذلك اصطدم مع واقع الثقافة العربية التي تجاوزت ثنائية الدين والعلمانية منذ زمن وتبنت ثقافة الدكتاتورية وإقصاء الآخر. لذا يمكن وصف نتاج الدكتور أبي زيد بأنه بحث في آليات الخروج من هيمنة النص الذي يبدو في بعض الأحيان لا يتلاءم مع الواقع موليا الأهمية للمصلحة على النص، وقد ساهمت طبيعة النص القرآني وطبيعة اللغة العربية في هذا التنوع في الفهم والاستنتاج فكان نتاجه العلمي عودة للحركة الفكرية العربية تسير مع المشروع الفكري الذي عمل عليه معاصره محمد عابد الجابري ولكن في التراث الإسلامي مستعيناً برؤى معاصرة.rn قسم اللغة العربية/ كلية التربية للبنات
نصر حامد أبو زيد وانتزاع الحاضر من سلطة الماضي
نشر في: 27 أكتوبر, 2010: 05:23 م