منذ اللحظة الأولى لاكتشاف الجريمة والعثور على جثة القتيلة داخل شقتها في مجمع الصالحية ... حيث مرت أكثر من ثلاثة أسابيع ... ولم تظهر او تشاهد (هـ) حيث اختفت تماما عن الأنظار التي اعتادت رؤيتها فيه صباحا ومساء وفي كل وقت تظهر فيه في العمارة التي تسكن وتقيم فيها حتى سيارتها لم تتحرك من مكانها ... على غير عادة ( هـ) التي تتركها في ساحة قريبة من العمارة ... كان صاحب محل التجهيزات المنزلية يشاهدها عندما تخرج وعندما تعود صباحا ومساءً الى منزلها .. وكثيرا ما يسأل صاحب المحل نفسه: أين تذهب هذه الفتاة وفي هذا الوقت بالذات؟ وما الذي يجعلها تعود في ساعة متأخرة من الليل... وعندما لا يجد إجابة يتذكر انه ليس من شأنه أن يراقب الناس او يتعرف الى وظائفهم إلا ما سمحوا له بمعرفته ... ولكن علم من احد الجيران انه شاهدها تعمل مترجمة مع الأمريكان في منطقة المطار ... وإنها نزلت في الشقة بعد احتلال بغداد التي استأجرتها من أصحابها الذين فروا الى خارج العراق!
وبفضوله اخذ يجمع معلومات أخرى عنها ... فهي مطلقة وتقيم في هذه الشقة بمفردها رغم انه تتردد عليها فتاة مع ولد عرف بعد ذلك أنهما ولديها وعرف أيضا ان ابنها طالب في جامعة بغداد وان ابنتها أيضا طالبة وهما يقيمان مع أبوهما في اليرموك والتي انفصلت عنه في السنوات الأخيرة عقب عودتهما من الخارج حيث كانا يقيمان في دولة الإمارات... أما أسباب الانفصال فلا يعرفها أيضا ولكنه يتعامل معها على أنها ساكنة محترمة وتقتني منه لوازم البيت من حين لآخر وتغدق عليه بالشراء ولا تبخل بالبضاعة الجيدة التي تقتنيها ... ولكن ظل في داخله أن وراء هذه السيدة غموضا وأسرارا يصعب حلها إلا بمرور الأيام !.. غابت (هـ) عن المحل أكثر من ثلاثة أسابيع ولم يشاهدها صاحب المحل طيلة تلك الفترة ... إلا انه لم يساوره الشك بان مكروها قد حدث لها لأنها كانت دائمة السفر ولا يعرف بموعد عودتها ألا وهي عائدة بسيارة أجرة تحمل حقائب سفر كبيرة يساعدها أحيانا احد عماله في حملها معها إلى داخل الشقة .. أما باقي سكان العمارة فعلاقاتهم بها شبه مقطوعة ولم يساورهم الشك أيضا بان الرائحة المنبعثة من داخل شقتها هي رائحة تفسخ جثتها، بل ظنوا أنها مجرد رائحة عادية منبعثة من حاوية القمامة... فكانوا يطلقون البخور ومعطرات الجو للتخلص من هذه الرائحة ... شخص واحد هو الذي تسرب الشك إلى صدره ودفعه إحساسه إلى ان هناك مكروها قد حدث لها وهو ابنها الطالب في الكلية... فهاتفها المحمول مغلق وهي المرة الأولى تبقى هذه الفترة الطويلة ولا تسأل عنه ولا تتصل به او بشقيقته، ولم يجد مفرا من الذهاب إليها ليتعرف بنفسه الى ما حدث لامه ... وعندما وصل إلى العمارة سأل حارس العمارة عنها ... أجابه انه لم يشاهدها منذ فترة طويلة وانه من الممكن أن تكون قد سافرت للخارج ... اضطره للصعود إلى الشقة مع الحارس بعد سماعه هذا الكلام ... وقف أمام باب الشقة وقاما بطرق الباب بقوة إلا إنه لم يلق إجابة ولم يجد امامه إلا كسر الباب للاطمئنان عليها عسى أن تكون قد ماتت ولم يسعفها احد!
جثة في غرفة النوم
وبالفعل استعان الحارس والابن بنجار وقاموا بكسر الشقة وعندما دخلوا إلى داخلها لم يطيقوا الرائحة الكريهة التي واجهتهم وشعروا بأن هناك جثة في الشقة ... ولاحظوا أن باب غرفة النوم مغلق وان جثة أمه على ارض الغرفة وهي في حالة تعفن ... ولم يستطع الابن النظر إلى جثة والدته بعد أن شل تفكيره وبدأ في البكاء ... فسارع حارس العمارة في الاتصال بشرطة الصالحية ... بعد ربع ساعة حضرت دورية من الشرطة إلى الشقة وأجرت كشفا على الجثة وعلى محتويات الشقة وتبين من الكشف الابتدائي أن المجني عليها تدعى (هـ) عمرها ( 45) سنة تعمل مترجمة في وحدة أمريكية تقيم بالمطار وان الجثة مصابة بعدة طعنات نافذة وهي بحالة تعفن نظرا لمرور وقت طويل على الحادث الذي لم يكتشف في حينه لأنها تقيم بمفردها في الشقة ... كما شاهدت الشرطة آثار عنف داخل غرفة النوم فقط دون باقي غرف الشقة وهو ما يؤكد أن مكان العثور على الجثة هو مكان ارتكاب الجريمة وان باب الشقة ليس فيه أية آثار للكسر تدل على اقتحام الجاني للشقة وتبين للشرطة باختفاء هاتفها المحمول وبعض مصوغاتها الذهبية وهو ما جعل الضباط يعتقدون مبدئياً ربما يكون القتل بدافع السرقة ... أبلغت شرطة الصالحية الإدارة العسكرية الأمريكية بالحادث حيث زارت وحدة عسكرية مبنى الشقة وصورت الحادث والجثة وطلبت من الشرطة الاهتمام بالحادث وكشف الجناة بعدها شكّل فريق عمل مشترك ما بين الأمريكان والشرطة في الصالحية حيث بدأ الفريق يجمع المعلومات عن المجني عليها وعن الذين يترددون عليها وهل لها علاقات عاطفية معينة مع أشخاص آخرين ... كما عمل فريق العمل بالبحث على احتمال ان يكون الدافع وراء القتل هو السرقة ولكن بعد إلقاء القبض على المشبه بهم يتلاشى هذا الاحتمال، وقد بدأ بصيص أمل جديد يظهر للكشف عن القاتل بعد العثور على محمول القتيلة عند بائع في سوق قريب من العمارة ... وعند الاستفسار منه عن سبب وجوده في محله ذكر بأنه قد اشتراه من شاب يسكن في عمارة قريبة من ساكني العمارات يدعى (م) وهو طالب في احد المعاهد ... وفي سرية تامة بدأ فريق العمل بجمع المعلومات عن الطالب (م) الذي بدأت أصابع الاتهام تشير إليه ... المعلومات التي جمعتها الشرطة عن الطالب (م) تبين انه طالب فاشل في دراسته وتكرر رسوبه في أكثر من معهد وكلية أهلية فقرر والده تسجيله في معهد خاص لتعلم الفنون والموسيقى .. وانه كان يتعاطى الحبوب والكبسلة ... وبتكثيف الجهود ومراقبة منزله القي القبض عليه وتم نقله إلى مركز الشرطة.. وبعد محاصرته بالأسئلة ومواجهته بالشهود وبائع "الموبايلات" الذي اشترى منه موبايل الضحية انهار واعترف بجريمته وراح يروي تفاصيل قتله للمجني عليها والذي أكد في التحقيق أنها كانت دائمة الاستهزاء به حتى أنها بصقت في وجهه وهو ما جعله يقرر الانتقام منها وان يأخذ منها ما يريد حتى لو كان ذلك بالقوة ... فقد كان متشوقا لإقامة علاقة جنسية معها وفي يوم الحادث كان جالسا بالقرب من عمارتها عندما رآها تعود في الثانية عشرة مساء وقد خلا الشارع من المارة فتعقبها حتى دخلت المصعد وفاجأها من خلفها ليطبق عليها بذارعه وبالذراع الأخرى شاهرا سكينا في وجهها واجبرها على الدخول إلى الشقة وعندما فتحت الباب دفعها داخل الشقة وبعدها دخل معها غرفة النوم وعندما راودها على نفسها انفعلت وراحت تسبه وتحاول إبعاده عنها بالقوة، وعندما وجد انه لم يصل لما يريد قام بخنقها حتى فقدت الوعي ظن أنها ماتت وخرج إلى الصالة وقام بتفتيش حقيبتها واستولى على 500$ وتليفونها المحمول وبعض القطع الذهبية وقبل أن يهم بالانصراف شعر بأنينها وأنها ما زالت على قيد الحياة وأنها إذا عادت للحياة مرة أخرى ستكشف أمره فعاد لها مرة أخرى وقام بخنقها وليتأكد أنها فارقت الحياة قام بطعنها طعنات عدة حتى سقطت جثة هامدة وسط بركة من الدماء... اختفى بعدها وراح يراقب الشارع ليتأكد أن بخروجه لن يراه احد حتى تأكد تماما من خلو الشارع فهرول هاربا ... تم تصديق أقوال الجاني قضائيا بعد أن اجري كشف الدلالة على الشقة ومحل الحادث وقرر قاضي التحقيق إحالته إلى محكمة جنايات الكرخ لينال عقابه العادل ...