أول صحيفة تناوشتها، حين وصلت القاهرة أمس، كانت "المصري اليوم". المانشيت الرئيس على صفحتها الأولى يحذر، وباللون الأحمر، من أن "مصر على فوهة بركان". أي زائر لأي بلد يقرأ مثل هذا العنوان سيصاب بالذعر حتما. لكن من يعرف مصر جيدا لا يخاف. وهكذا لم يمسسني شيء من ذلك رغم أني قرأت تحت المانشيت "المخيف" أن البلد يشهد استعراض قوة للإخوان والسلفية، بعدما أعدوا كلما لديهم من قوة، ليرهبوا المتظاهرين الذين خرجوا دفاعا عن مدنية الدولة المصرية.
لا يُنكر أن هناك تشاؤما كبيرا من احتمال اندلاع حرب أهلية، عبر عنه محللون سياسيون في أكثر من وسيلة إعلامية وشاركهم فيه بعض من كبار المثقفين والمفكرين المصريين، لكني، وقد يكون هذا مجرد انطباع شخصي، أستبعد اندلاعها، لأني ألمس عند المصريين وعيا وحبا للحياة سيجعلانها تمر بردا وسلاما مثلما مرت الأزمات التي سبقتها. الغريب أنني حينما أنهيت الصفحة الأولى من الصحيفة لم يتأكد لي صحة عدم خوفي، حسب، بل وضحكت أيضا.
المعروف أن "الإخوان"، كأي حزب إسلامي، يستغلون الجوامع ودور العبادة للتأثير في عقول الناس وعواطفهم. لكن الذي لم يخطر ببالي أبدا هو أن يكون لديهم تاكسيات لنفس الغرض. ففي حشدهم الغاضب يوم السبت الفائت أتى الإخوان بما "لم تأت به الأوائل". اقرءوا معي:
"لن تشير إليه ليتوقف أمامك. ولن تكلف نفسك لتخبره بالجهة التي تريد الذهاب إليها. ولن تراوده على ثمن (التوصيلة). ليس بالتاكسي الأبيض أو حتى الأسود. انه (تاكسي الإخوان). ركوبه مجانا ووجهته واحدة: ميدان النهضة بالجيزة". وعشنا وشفنا وبعد نشوف. ومن يدري؟ فقد نشوف قريبا "تاكسي الدعوة" يخترق السيطرات دون تفتيش في انتخابات الولاية الثالثة القادمة.
دفعتني حالة الجو الطيبة، وصوت أم كلثوم المنبعث من راديو التاكسي التي كنت فيها وأنا أقرأ الخبر، مع ما دب بنفسي من ارتياح بفعل فاصل الضحك الذي تكرمت به علي "بدعة" التاكسي الإخوانية، إلى أن أسأل السائق: همه الجماعة اختاروا ميدان النهضة وليس ميدان الأزهر ليه؟ لأنهم بتوع "النهضة" يا سعادة الباشا. وحضرتك تقصد الميدان ده ميدانهم ولا أيه؟ لا يا سعادة البيه، ده عشان همه بيقولوا إنهم جابولنا "مشروع النهضة" وكل حاجه فيها اسم "نهضة" بقت بتاعتهم، لا مؤاخذه هو انت ما سمعتش حكاية "طائر النهضة" اللي "طيّروا" مرسي؟ بصراحة لا. روح شوفوا وحتضحك أكثر وأكثر، وإن شاء الله يديم عليك ربنا ضحكتك الحلوة دي. بس ح شوفوا فين يا ريس؟ بالانترنت يا باش مهندس.
وصلت مكاني فترجلت من التاكسي وودعت سائقها وصرت أحث الخطى في شوق شديد لرؤية الطائر. بحثت عنه فوجدته كما قال لي السائق: قد أغرقني بالضحك.
غداً آتيكم بخبره فلعلكم تضحكون.