جون أبديك ،، كاتب أمريكي شهير ، بدأ بالكتابة عن الشيخوخة ، وانتهى بالكتابة عنها .
يعبّر جون أبديك في مقاله ( الكاتب في الخريف ) ضمن كتاب ( فتنة الحكاية - ترجمة غادة حلواني ، ضمن منشورات الدوحة 2012 ) ، انه بدأ حياته كاتبا عن الشيخوخة والعجائز ، كما في قصصه التي كان يصف بها جدته أثناء موتها السريري ، وقد أرسل قصصه الأولى إلى مجلة ( نيويوركر ، التي عمل بها فيما بعد محررا ) غير ان المجلة أعادت له قصته الأولى مع ملصق عليها برفض نشرها ، استمر جون أبديك الكتابة عن الشيخوخة وكان يعيد إرسالها إلى المجلة ، والمجلة تكرر رفضها للنشر، وأخيرا كتبت له المجلة الآتي ( اسمع .. لا ننشر قصصا عن الشيخوخة ، لكن ابعث مرة أخرى ) .
ويتساءل الكاتب في نهاية حياته ، انه ما عاد يكتب إلا عن شيخوخته ، مما أعاد إلى ذهنه رفض الآخرين لقراءة ما يكتب وما ينشر ، يقول (( الآن قصص الشيخوخة على وشك أن تصبح القصص الوحيدة التي سأحكيها ، فخبرتي الوحيدة عن التقدم في العمر )) ، انه تساؤل منطقي ، إذ انه بدأ حياته في الكتابة عن الشيخوخة وانتهى بالكتابة عليها في روايته الأخيرة ( المتقاعد ) ، نشرت عام 1990 ، وفي كلا الحالتين فان المتلقي لا يفضّل القراءة عن الشيخوخة ، وقد ذكر ذلك بالحديث مع نفسه (( كاتب متقدم في العمر يشعر برضا غير ضئيل عن رف من الكتب خلفه ، تنتظر قراءها المثاليين لاكتشافها ، سوف تصمد أكثر منه قليلا ، فبالنسبة له ، متعة صنع الكتب ، أي الومضة الأولى من الإلهام ، شهور الصبر من البحث وصنع الحبكة ، ونسخة الطبع الأخيرة ، واستكشاف الغلاف ، والتجارب الطباعية ، وأخيرا الصناديق من الناشر تحوي الكتاب بثقلها الحلو ، ورائحة صمغ تجليد الكتاب ، هذه المتعة تظل نعيم الإبداع المدوخ ، وسط الخلايا العصيبة المتناهية الصغر ينسل بينها الأمل غير العقلاني بأن آخر كتاب قد يكون الأفضل )) .
كتابته عن الشيخوخة في سن مبكر ، انعكس بطبيعة الحال على حياته فيما بعد ، في البداية كانت سيرة ذاتية عن الآخرين ، لكنه فيما بعد كتب سيرة ذاتية عن نفسه وهو مسن ، غير ان حجم وقيمة الكتاب لا تتناسب ونسبة القرّاء ..
وعلى كل ّ حال يبقى جون أبديك ، كاتبا له الشأن في كتابة أحداث مجتمعه و العالم ، من حرب وسلام ، و عن فرح وحزن ، وما شابه ، ويظلّ ارثه الروائي والأدبي إرثا ينضم للائحة الكتّاب الكبار من أساتذته الذين يفضلهم ، أمثال هيمنجواي وفوكنر وفرست واليوت وغيرهم .