نتفق على أن الثقافة تحتاج إلى بنية مادية تحايث بنيتها الفكرية وأنشطتها المتنوعة لكي يتحول الفعل الثقافي إلى منتج فكري يصب في صالح الوعي العام، أو الوعي المجتمعي، ونعني بالبنية المادية مجموعة المنشآت والبنيات المتنوعة التي تحتضن النشاطات الثقافية الكثيرة والمتعددة، وهي نشاطات لا تقتصر على الندوات أو المهرجانات أو المحافل الثقافية، بقدر ما تهدف إلى استيعاب طاقات الشباب ثم غيرهم من الفئات العمرية الأخرى، لضمان عدم انحراف الطاقة الشبابية نحو مسارات مدمرة للمجتمع.
ولكي ندخل في لب الموضوع نقول إن وزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة ودوائر وجهات أخرى معنية بالثقافة والشباب، دأبت منذ سنوات على إنشاء العديد من البنايات والقصور الكبيرة، الهدف المعلن أنها منشآت لاستيعاب الأفعال والأنشطة الثقافية والرياضية الشبابية وغيرها، لكن ما أن يتم إنجاز البناية حتى يتم ختم بوابتها الرئيسة بالختم الأحمر ويُقرأ عليها السلام، وكأنها بُنيت وصُرفت عليها الملايين والمليارات من أجل إمتاع النظر لا أكثر.
هذه البنايات الكثيرة التي انتشرت في معظم محافظات البلاد، رُكنت جانبا ولم تتم الاستفادة منها، ولا نعرف من يقف وراء هذا التعطيل؟؟ ولماذا، ولعل الإهمال الذي يطأ هذه البنيات يتوضح أكثر عندما نتأكد من افتقادها الخدمات، كالماء والكهرباء وسواهما، ويبدو أن هذا الأمر مقصود مسبقا حتى لا يستفيد منها أحد أو جهة للقيام بالفعل الثقافي أو سواه من الأنشطة الشبابية.
والمشكلة الأكبر أننا لا نعرف من يقف وراء هذا التعطيل مع سبق الإصرار لبنايات تم تشييدها من أموال الشعب بمليارات الدنانير، ولا نعرف أيضا لماذا التعطيل أساسا؟ ثم ما الضير من فتحها للجهات والمنظمات الأهلية والمهنية والحكومية التي تستفيد منها في نشر الوعي والثقافة، فضلا عن استيعاب طاقات ومواهب واعدة شبابية وسواها، بدلا من الانزلاق المؤكد نحو الانحراف، لذا بعد طرح هذه التساؤلات وربما هناك سواها الكثير، لابد أن يتحرك المسؤولون نحو فتح هذه المنشآت لاستيعاب الأنشطة الثقافية والشبابية المختلفة.
وعلى الجهات الحكومية المعنية أن تتحرك بقوة وسرعة ومسؤولية لاستثمار هذه المنشآت التي تم بناؤها بأموال الشعب، ولا يصح تجميد هذه الأموال الكبيرة بعد أن تم إنجاز البنايات، لاسيما أن معظم المنظمات والمؤسسات الثقافية الأهلية والحكومية، تفتقر للمكان الملائم لها لكي تؤدي الأنشطة الثقافية وسوها في أمكنة تليق بها، مثل القاعات الكبيرة والمسارح وساحات ممارسة الرياضات المختلفة، بالإضافة إلى إيجاد مقرات للمنظمات التي تفتقدها ،وهنا كثير من المنظمات تظهر وتندثر أو تبقى تراوح في أماكنها من حيث الفعل الثقافي أو سواه، بسبب افتقارها للمكان أو المقر الذي تدير من خلاله أنشطتها المختلفة.
لذا فإن التنبّه إلى هذه النقطة أساسي ومهم وهو يدخل في باب الشعور بالمسؤولية إزاء المجتمع، فمن غير المعقول أن تصرف الأموال الطائلة ويتم إنشاء البنايات الكبيرة، وبعد أن يتم إنجازها يتم إغلاقها وتعطيلها عن الغرض من بنائها تماما، وإذا كانت هناك إجراءات قانونية تتعلق بطبيعة العلاقة بين الحكومات المركزية والمحلية، وحدود الصلاحيات للوزارات وسواها، فإن من حق الحكومات المحلية أن تتصرف بهذه البنايات كونها تقع ضمن حدودها وسلطتها، وهذه البنايات لا تعود لوزارة سيادية ،كالكهرباء والنفط والدفاع وما شابه، لذا ندعو الحكومات المحلية إلى التحرك الفوري لتوصيل الخدمات إلى هذه المنشآت والاستفادة منها في تفعيل الثقافة والرياضة، وكل ما يتعلق باستثمار طاقات الشباب.
وفي حالة اعتراض وزارة ما، أو جهة حكومية معينة، على استثمار هذه البنيات، فإن المحافظة المعنية عليها أن تبادر إلى استثمارها، من خلال اتباع طرق قانونية ،مثل مفاتحة الحكومة الاتحادية أو الجهات التشريعية المختصة في البرلمان لغرض إصدار التوصيات والقرارات التي تطلق سراح هذه البنايات وتنقلها من حالة الجمود إلى حال الفعل والعمل المنتج.