باسم عبد الحميد حمّوديإلى (مصطفى) ..بعد أعوام !اختلطت شمس الخريف ذلك الصباح بغيوم تتلاقح فيها كتل سود بكثافات من الغيوم البيض. كان العجوز السبعيني – وهو يرقب حفيده اللاهي في الحديقة – يود لو منحه الله المزيد من القوّة ، إذن لاستطاع اللحاق بهذا القرد الجميل وهو يلاعب كرته ثم يتركها ليركض باتجاه الأرجوحة ،
يصعدها بمعاناة طفل أكمل سنتين وهويدرج رويدا وبالكاد ليصل الى مستوى الجلوس عليها لكنه لا يستقر وكأن عفريتا يتحكم به فيقفز واقفا وهو يصيح منزعجا فيفهم جده أنه بحاجة للمساعدة ، فيتحرك –قدر استطاعته –ليحرّك الأرجوحة فما أن يفعل ذلك حتى يحاول الصغير النزول بسرعة دون ان يخشى فقدان التوازن ، فهو لا يفهم هذا الأمر ويظن أن كل الحافات مستوية ، لا ارتفاع ولا انخفاض ولكنه تعلم أن يسقط وأن يقوم بسرعة ضاحكا أوباكيا معانيا ، وهو –هكذا ظن العجوز- لا يعرف ما فعل وينتظر دوما أن يحصل على المساعدة من الكبير الذي يجاوره . استطاع العجوز أن يتلقى الطفل بين أحضانه سعيدا انه حصل على كنزه ليشبعه لثما لكن الصغير لا يسمح لجده بالحصول على المزيد من القبل حيث يدفعه عنه بحركة محببة ليعيد إسقاط جسمه المرن على الحشائِش راكضا نحو ضفدعة هاربة ومنها إلى كرة صفراء صغيرة نسيها من لعب بالأمس هنا من الأطفال الزائرين.ظل العجوز يرقب حفيده اللاهي وهو يفكر بالتوازن الذي لم يتقن الانصياع له في حياته العريضة الماضية ، ولم يفكّر – مثل حفيده اليوم –بحافات الأشياء الحياتية – التي تبدو للوهلة الأولى مستوية، ولكنها ليست كذلك دوما، فهناك الحسد والكذب والتعالي وتصعير الخد وهناك دوما النفاق والتصاغر أمام الأقوياء وشعور القوي بالإعجاب بنفسه وسماع النميمة والخوف ممن هم بمستواه. لا تبدو الحافات متساوية كما كان يظن وكما تغلغل في لجة الحياة واصطدم وانكسر وضاع منه ما ضاع ، قال العجوز لنفسه مفكّرا: (( لست نادما على شيء رغم أني أدركت الدرس متأخراً ، ترى متى يدرك الصغير الدرس كي لا يتعب ؟ )) عاد ذهن الشيخ إلى صفائه وهو يتلفت باحثا بعينيه عن حبيبه الصغير خائفا أنه .. وأنه ،كانت كركرات الصغير تغرق الحديقة مع رذاذ كثيف أذ سلّط صنبور الماء المفتوح على ملابسه فأسرع الشيخ إليه واحتضنه ليخلع عنه ملابسه المبللة وهو ينادي من في البيت ليسرعوا لإكمال العناية به ، كان العجوز سعيدا لأنه يحتضنه عاريا والطفل مستسلم له للحظات وكانت الغيوم السود قد رحلت والشمس تتهادى مطلة من وراء الغيوم البيض.... سحبوا حبيبه منه إلى الداخل وظل وحيدا وسط حديقة فقدت القها ، هكذا ظن العجوز وهو يغادر الخضرة إلى موقع آخر من الدار وقد ازداد شعورا انه يعيش من اجل حفيده وقد عاش طويلا من اجل غيره ، وذلك يكفيه ، يكفي تماما.
حكاية ..يـكـفــي تـمـامـاً
نشر في: 31 أكتوبر, 2010: 06:31 م