حسناً فعلت السفارة الإيرانية في عمان، حين حسمت باكراً المعركة الدونكيشوتية، التي اشتعل أوارها نتيجة ما قيل عن عرض قدمه السفير لدى عمان، لتزويد الأردن بنفط مجاني لمدة ثلاثين عاماً. فقد نفى مصدر مسؤول في السفارة الخبر، وأكد أن السفير تحدث عن تشكيل لجان مشتركة لتزويد الأردن بالنفط بسعر تفضيلي، على أن يتم سداد قيمة النفط المصدر، من خلال التبادل التجاري بين البلدين، على أن يقوم الأردن بتصدير ما تحتاجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من فوسفات وبوتاس والعديد من الصناعات الأردنية المتميزة.
كانت المناكفات تنصب على أنه لا يمكن قراءة عرض السفير الإيراني، إلا في سياق مشهد المناكفات الإقليمية التي تستهدف الساحة الأردنية، فكل طرف في الإقليم لديه مصلحة من نوع خاص مع الأردن أو عبره، وكل طرف إقليمي لديه تصور وأجندة تحاول استثمار الأزمة المالية الأردنية، وفي حقيقة الأمر أن ما أشيع عن العرض الحاتمي كان مفاجئاً، وكانت الردود الأولية على العرض متحفظة، سواء أتت من الأوساط الرسمية أو غير الرسمية، ومن ذلك تصريح الناطق باسم الحكومة، ومفاده أنها معنية ببحث كل البدائل التي تساعد في حل أزمة الطاقة المحلية، مع تأكيده على الحرص على العلاقات مع دول الخليج، رغم تأخر المساعدات، فيما تسرب موقف رسمي يعتبر العرض الإيراني بأنه للاستهلاك الإعلامي، وعرض مقايضة.
منذ انتشر الخبر لم نتوقف عنده بجدية، لأن الجمهورية الإسلامية تعاني حصاراً خانقاً، بسبب الموقف الغربي من برنامجها النووي، وهو موقف لابد من الاعتراف بأنه تعبير صارخ عن الكيل بمكيالين، إذ يتجاهل أن إسرائيل أنجزت برنامجها النووي بمساعدة غربية، أوصلته إلى إنتاج قنابل نووية لا تخجل الدولة العبرية من الجهر بامتلاكها، وإذا كنا نفهم أن تعلن الحكومة أنها تدرس بعمق العرض الإيراني، فإنه يبدو عصياً على الفهم موقف الإخوان المسلمين، الذي اعتبره مخالفاً لشرع الله، لمجرد أنه مرتبط بالسياحة الدينية، وكأن هذه محرمة شرعاً، مع غض النظر عن أنماط أخرى من السياحة، تسعى كل الجهات الرسمية والشعبية لاستدراجها، لما لها من فوائد على الاقتصاد الوطني، وإذا كان الإخوان يخشون من تشيع أهل السنة في الأردن، نتيجة زيارات لا تستمر الواحدة منها أكثر من أسبوع، فإن في ذلك دليلاً على فقدان الثقة بالنفس، كما أنه يبدو مخجلاً منع المسلمين من زيارة مقام مجموعة من أوائل شهداء نشر شريعة الإسلام، قبل أن تعصف بها لغة المذاهب المختلفة والمتخالفة.
حتى بعد توضيح العرض القادم من طهران، وهو بالطبع يستهدف المصلحة الإيرانية، وليس إعجاباً بسواد عيوننا، فإننا نسأل متى كانت السياسة بعيدة عن المصلحة أو ليست تعبيراً عنها، وكيف يضيع الأردن على اقتصاده فرصة الاستفادة من السياحة الدينية، حتى دون ربطها بالنفط المجاني، وهو القادر على حصرها في هدفها المعلن، ثم كيف يرفض الأردن التبادل التجاري مع طهران، قبل درس حاجات الاقتصاد الايراني من المنتجات الأردنية، وحاجات الأردن من الاقتصاد الإيراني، والمؤكد أن فيه الكثير من حاجاتنا، وبأسعار أفضل من الأسواق التي نستورد منها حالياً.
وحده وزير السياحة المتيقظ استلم الرسالة ليعلن أن باب السياحة مفتوح للجميع، وأن الجنسية الإيرانية مقيدة لأسباب أخرى، وهي سياسية بالطبع، لكن ذلك لم يمنع كثيرين من الحصول على تأشيرة للزيارة، سواء استهدفت مقام شهيد الأمة، سيدنا جعفر أو البتراء أو جرش، والواقع أننا كنا بحاجة لمثل هذا الوزير، ليفتح باباً ظل موصداً في وجه السياحة الدينية الإيرانية التي تدر الملايين على دول مجاورة ونحن أحوج منها، ولاخوف على المذهب السني عند المؤمنين به، وهو مذهب ليس معروضاً للبيع والشراء أو المساومة.