تهدد الأزمة السورية الحالية باندلاع الانقسام الطائفي المتذبذب في العراق مما قد يتحول مرة اخرى الى حرب أهلية. العراق –الواقع بين اكبر حلفاء سوريا (ايران) وعدوها الأعظم تركيا- بألوانه العرقية المتقلبة وثرواته النفطية الخارجة توا من سنوات الحرب الأهلية، يحاول يائسا التشبث بحياديته تجاه الأزمة السورية. تلك السياسة تخضع للاختبار مع بدء لاعبين من الطيف السياسي العراقي الهش بالانحياز في حرب ذات أبعاد طائفية.
يقول اللواء الأميركي جول ريبيرن، ضابط الاستخبارات السابق في العراق والذي يعمل حاليا في كلية الحرب الوطنية "إن هذا الوضع لا يتغير في العراق".
مقاتلون من مختلف الطوائف والقوميات عبروا الى سوريا لمساعدة أبناء مكوناتهم في سوريا. قال مقاتلون من محافظة الانبار – حيث الانتماءات العائلية والقبلية تمتد عبر الحدود القابلة للأختراق – بانهم يساعدون الثوار الذين يحاربون قوات الرئيس الأسد بالمال والرجال والسلاح.
من جانب آخر يتم تدريب اكراد سوريا للقتال، الى جانب قوات كردية عراقية اخرى، في اقليم كردستان العراق ضد الجيش الحر وقوات الأسد في الوقت ذاته.
مقاتلون من طائفة أخرى وبتشجيع من رجال دين في النجف و شمال الموصل، يتم ارسالهم من ايران والعراق الى سوريا للدفاع عن الأضرحة الدينية وللقتال الى جانب نظام الأسد الذي يسوده افراد من الطائفة العلوية.
وحافظ العراق على موقف رسمي حيال الأزمة، حيث امتنع عن تصويت الجامعة العربية القاضي بفرض عقوبات اقتصادية على سوريا، وعارض دعوات لتسليح المعارضة السورية ورفض المطالب الغربية بتنحي الأسد. من مكتبه في بغداد قال علي الموسوي، رئيس مستشاري المالكي بعد سؤاله ان كان موقف العراق يتضمن رحيل الأسد، بان العراق ملتزم بحل سياسي لإجراء تغييرات ضرورية في سوريا، "نحن مع التغيير الضروري في سوريا. لقد ولى زمان الحكم الوراثي و احتكار السلطة من قبل حزب واحد. ليست هناك خطوط حمراء في هذه العملية".
الا ان هناك اتهامات بأن المالكي يتبع أجندة طائفية من اجل تعزيز سلطة طائفته في العراق وأن الأزمة السورية تدفع العراق اكثر الى الفلك الايراني. المالكي -وهو يواجه الأعمال المسلحة هذا العام بدون تغطية من القوات الاميركية- يخشى من دولة يقودها السنّة في سوريا والتي من الممكن ان تنضم الى القوات المعارضة في داخل العراق.
من جانبه اتهم نائب الرئيس طارق الهاشمي -الذي دخلت كتلته البرلمانية (القائمة العراقية) بتردد في اتفاقية مشاركة السلطة مع حزب الدعوة ويواجه الآن أحكاما غيابية بالإعدام -المالكي بتأجيج توترات طائفية ، حيث كثرت الاعتقالات الجماعية لبعثيين سابقين ومن أبناء السنّة بتهمة الإرهاب، مع ادعاءات بقيام المالكي بملء الهيئات البرلمانية والمؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية بالمتعاطفين مع طائفته.
يقول النائب حامد عبيد المطلك من القائمة العراقية ورئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية بان الصراع الطائفي هو نتيجة مباشرة للتدخل الايراني "السبيل الوحيد للحكومة في اجتناب هذه العواقب هو عدم الاصطفاف الى جانب الحكومة السورية واتخاذ مواقف حيادية وعادلة. يجب ان لا نمتثل للضغط الايراني في الوقوف مع الأسد، يجب ان تكون لنا علاقة طيبة مع الشعب السوري لأني اعتقد ان حكومة الأسد راحلة في النهاية".
وافق العراق على شحن ما قيمته ملايين الدولارات من النفط منخفض الكلفة للنظام السوري، في خطوة فسّرت على نطاق واسع بانها دعم ضمني لنظام دمشق. كما اتهمت الولايات المتحدة ايران علنيا باستخدام المجال الجوي للعراق في نقل الاسلحة الى سوريا وهو ما انكره العراق. مؤخرا وقّع العراق – ثم أحجم– صفقة عسكرية مع روسيا، الحليف الرئيسي الآخر للأسد، بقيمة 4.2 مليار دولار أثارت خلافا ومازالت الصفقة قيد المراجعة. بالاضافة الى ذلك، اعلنت ايران مؤخرا شروعها بإنشاء أنبوب للغاز بكلفة 10 مليارات دولار الى سوريا مرورا بالعراق.
من جانبه أصر الموسوي على أن صفقات العراق الاقتصادية لا علاقة لها بموقفه السياسي المحايد، مضيفا ان الحكومة العراقية تعارض العقوبات التي تؤثر على ابناء الشعب السوري. واضاف الموسوي متحديا الاتهامات بالطائفية "ان دول الخليج التي لا تشعر بالمسؤولية وتركيا تنشر التطرف في المنطقة"، وتحدى "أي شخص يثبت ان المالكي قد تجاوز حقوقه الدستورية.. بينما هذه المجاميع (الإرهابية) ترتكب عشرات الانتهاكات القانونية". وأضاف أن "هناك فرقاً بين محاولة احتكار السلطة و محاولة استعادة السلطة والاستقرار من براثن الفوضى". وقال ان قوات المالكي الامنية كانت تبذل جهودا جبارة لتعزيز القدرات الامنية والاستخباراتية لمكافحة ما وصفه بـ"التهديد المشروع" ، لكنه قال ان العراق "بحاجة الى دعم دول الجوار ". من جهته قال ريبيرن ان دوافع المالكي بشأن سوريا هي خليط من "الطائفية و البراغماتية" ، واضاف " لقد قرر المالكي ان الدولة السورية السنية ستقوم بنقل الجهاديين السنة عبر الحدود الى العراق وهذا هو ما يقلقه بالمقام الاول، والشيء الآخر هو الضغط الايراني".
ويشكل المالكي والأسد ثنائيا غريبا متناقضا؛ فلقد سبق ان ذهب المالكي الى الأمم المتحدة عام 2008 متهما الأسد بتأجيج العنف الطائفي في العراق من خلال تسهيل حركة المتطرفين السنة عبر الحدود.
ويضيف ريبيرن موضحا ما وصفه بالتقلب في السياسة تجاه سوريا "عندما كان النظام السوري يتصرف كسلطة سنية في العراق، عارضه المالكي. واليوم ومع تصرف الأسد كسلطة شيعية في المنطقة، بدفع من ايران، فان المالكي يسمح بذلك".
الا ان هذه السياسة – كما يقول ريبيرن– لها نتائج عكسية ويمكن ان تقود الى المزيد من الانقسامات الطائفية "يرى المالكي المؤامرة البعثية في كل مكان و ان عليه تصفيتها . التهديد موجود ، وان قدرة القاعدة وغيرها على تنفيذ الهجمات تعني انها تتلقى دعما من السنّة الذين يقومون بذلك لأنهم يشعرون ان المالكي يهمشهم ويعزز سلطته".
وعبّر المحلل السياسي ابراهيم الصميدعي عن خشيته من ان العراق على حافة حرب اهلية، "تحاول الممالك العربية دفع الربيع العربي السيئ الى العراق، انهم يحاولون ازالة الشيعة من المنطقة". واضاف بأنه يخشى ان ذلك قد يدفع بغداد الى اتخاذ اجراءات وقائية من خلال السيطرة الكاملة على القوات الامنية ودعم المليشيات الشيعية ضمنيا لمواجهة المتمردين السنة".
واضاف الصميدعي ان هناك خطرا من تحالف القوات الكردية مع السنة في مواجهة حكومة بغداد "انه موقف خطير، فالطائفية هنا في العراق اعمق مما هي في سوريا. واذا ما أشتعل فتيل الطائفية هنا فلا احد يستطيع إيقافها".
عن: الديلي ستار