TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ثورة مصر

ثورة مصر

نشر في: 2 ديسمبر, 2012: 08:00 م

هناك فروق كثيرة بين تظاهرة ميدان التحرير العلمانية وبين تظاهرة جامعة القاهرة الإسلامية. لكن أهمها هو التعددية في الأولى والواحدية في الثانية. أو الاختلاف في الأولى والتشابه في الثانية. لن تجد بين المتظاهرين الاسلاميين من أجل "الشرعية والشريعة" مسيحيا واحدا، ولا امرأة سافرة، ولا شيعيا، ولا بهائيا، ولا أزهريا معتدلا، ولا أديبا أو فنانا أو مفكرا مرموقا، وخصوصا لن تجد واحدة من نجمات السينما، ولا واحدا من نجومها.
 وبعبارة موجزة لن تجد التنوع المصري. هناك فقط اللون الواحد بتدرجاته من المحجبة الى المنقبة، من اللحية الكثيفة الى الخفيفة الى الحليقة، من الدشداشة البيضاء الى البدلة الحديثة. لكن كله "اسلام أهل السنة والجماعة" السياسي، المحاط بشكوك وتحفظات ورفض الأغلبية بمن فيهم "اسلام أهل السنة والجماعة" المدني.
عكس ذلك فإن كل التنوع أو الاختلاف المصري، عدا الاسلام السياسي نفسه، موجود في ميدان التحرير. هنا يوجد احتفاء بالإختلاف. الاختلاف هو جوهر الميدان. لكن الاختلاف مطرود من تظاهرة الاسلاميين. فالتشابه هو مركز ثقل "الجماعة". الاحتفاء بالاختلاف هو احتفاء بالحياة. ونبذ الاختلاف هو خوف من الحياة. الحياة بطبيعتها مختلفة متنوعة. وهذا فرقها عن الموت. فالموت واحد لا يتعدد.
يوصل الاستقطاب الحاد في مصر بين التيارين المدني والاسلامي الى استقطاب حاد أيضا على صعيد الدلالة. فهو يفصل كتلة "الاسلام السياسي" عن التيار المدني الغالب على مصر. انه لا يجعل الاسلام السياسي جزءا من التعدد والتنوع المصري، وانما يضعه في موقع مضاد ومعاد للتنوع المصري، التشابه ضد الاختلاف، الواحدية ضد التعددية، الجماعية ضد الفردية، الديانة ضد العلمانية.
انعكس هذا "التعارض الحربي" في خطب المتكلمين في تظاهرة الاسلاميين. فقد جرت شيطنة رموز الطرف الآخر. البرادعي، أحد ثلاث شرارات فجرت الثورة المصرية، وحمدين صباحي وعمرو موسى. ودائرة الشيطنة تتوسع لتمتد من الأشخاص الى التيار المدني برمته. فشعارات التظاهرة تربط الحق بنفسها دون سواها، وترهن الشرعية بحكمها وسلطتها دون غيرها:" أهل الدعوة أهل الدين حراس مصر ليوم الدين"، "الشعب يريد تطبيق شرع الله"، "الشعب يؤيد قرارات الرئيس". والشعار الأساسي للتظاهرة يمثل ذروة الاستقطاب: "الشرعية والشريعة". ليس هناك بعد هذا الشعار كلام. فهم السلطة الشرعية على الأرض، والسلطة المباركة من السماء. أو هم "حاكمية الله".
خلال التظاهرة قرب جامعة القاهرة بدا نفور الاسلاميين على أشده من الجسمين القضائي والإعلامي. وهما معدودان بالجملة على التيار المدني. والمعركة بين الجانبين دخلت في طور "كسر العظم". فالقضاء وضع جميع سلطات الاسلاميين الجديدة تحت التهديد: مجلس الشورى، تأسيسية الدستور، مسودة الدستور، موعد الاستفتاء الذي تقرر بعجالة، ثم خصوصا الاعلان الدستوري الذي فجر كل هذا الصراع. القضاء بصفة عامة ألقى ظلالا عميقة من الشك على كل خطوات مرسي شديدة التسرع لإخونة الدولة.
ان تجذر الاستقطاب الحاد يغير طابع السياسة في مصر من "عملية سياسية" الى "عملية ثورية"هدفها الإطاحة بسلطة الاسلاميين في الحد الأعلى، أو تطويعهم للقبول بحكم القانون في الحد الأدنى. لقد تقرر الهدف. واضح أن مصر المدنية لن تقبل اختزال حياتها باللون الاسلامي الواحد. ولابد أن يكون للجيش ما يفعله في هذه العملية. والسؤال هو عما اذا سيكون دوره حاسما أم مساعدا في الطريق الى حكم القانون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

السوداني: طيارونا يحلقون بطائرات لا تمتلكها الكثير من الجيوش في العالم

اتلاف كمية كبيرة من المواد المخدرة والمؤثرات العقلية

انخفاض نسبة الأمية في العراق إلى 15%

النزاهة تسترد ملياراً و86 مليون دينار من مسؤول سابق بتسجيل عقاري الدورة

المفوضية تصدر تعليمات جديدة لتحديث بيانات النازحين

ملحق معرض اربيل للكتاب

الأكثر قراءة

البْصَرة عراقيَّة.. لا عَلويَّة ولا عثمانيَّة

العمود الثامن: الجلوس على أنفاس المواطن

روما على مفترق طرق – هل تكتب الجولة الثانية نهاية أزمة أم بداية تصعيد؟

قناطر: المُوحِشُ المُسْتفرَد بين السعفِ والقبّرات

العمود الثامن: نور زهير ياباني !!

العمود الثامن: زعيم الثقافة

 علي حسين في حواره مع المثقفين العرب الذين شاركوا في معرض اربيل الدولي للكتاب ، قال الرئيس مسعود بارزاني إن : " الثقافة والمعرفة ركيزةٌ أساسية للتفاهم بين الأمم وشعوب المنطقة " .....
علي حسين

22 عاماً بين "جمهورية الخوف" و"دولة المافيا"

إياد العنبر سنتان بعد العشرين عاما على تغيير نظام الحكم في العراق، وهذه المرحلة شكلت ولادة جيل كامل، هو الآن في مرحلة الشباب. وجيل آخر، وأنا منهم، كان ينتظر لحظة سقوط الدكتاتورية، وكنا نحمل...
اياد العنبر

غزو العراق.. دلالات الصورة وتأثيرها لكشف الحقيقة

عصام الياسري مع مرور أكثر من عقدين على غزوه، لا زالت صورة المشهد الدرامي عالقة في أذهان العراقيين. ولم ينس أي مواطن عراقي عاش لحظة دخول القوات الأمريكية لاحتلال عاصمة بلاده "بغداد" بدعم دولي...
عصام الياسري

روما على مفترق طرق.. هل تكتب الجولة الثانية نهاية أزمة أم بداية تصعيد؟

محمد علي الحيدري تتجه الأنظار إلى العاصمة الإيطالية روما حيث من المقرر عقد الجولة الثانية من المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران يوم السبت المقبل، في سياق إقليمي مضطرب وتحولات دولية متسارعة. الجولة الأولى...
محمد علي الحيدري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram