محمود النمر بعد رحلة طويلة قضاها منذ عام 1937 ولقائه معلم العربية الشهيد حسين محمد الشبيبي، وهو مثله الأعلى الذي يعتز به ،هذا المعلم هو من يقف وراء صيرورته نحاتا . ففي عام 1953ابتدأت المحطة الثانية والتي بلورت توجهه الفكري الماركسي وتعرضه للسجن،وحين طلب من أمه ان تجلب له طينا تعرض لسخرية السجناء واستهزائهم ،لكن العمل الذي صنعه من ذاك الطين عرفه على الفنان الكبير فائق حسن الذي أهداه كتابا بالفرنسية عن النحت،
مازال محتفظا به لحد الآن ،لتتعاقب بعد ذلك المحطات، واستمرت رحلة الحياة زاخرة بالأوجاع والمسرات،ليصبح احد اهم رموز فن النحت العراقي .كان النحات عبد الجبار البناء ضيف ملتقى الخميس الإبداعي في اتحاد الأدباء وأدار الجلسة الناقد السينمائي كاظم مرشد السلوم الذي قرأ السيرة الذاتية للبناء الإبداعية والجمالية التي تمتد إلى أكثر من سبعة عقود .بعدها تحدث البناء عن تجربته منذ البدايات البريئة لمصاحبة الطين الحرّي الذي كان يستخدمه لتكوين هياكل الصلصال او الجص وقال : ان العمل الفني، سواء كان أدباً أو شعراً أو فنا يخلق في ضمير الإنسان وإحساسه ولا يمكن ان يكون الإنسان شاعراً مالم يكن هنالك هاجس إبداعي ،فالعمل الفني تلبسني وانا طفل كنت انحت أشيائي من(اللّبن ) وأحاول ان يظهر شيء من النحت ،وعندما أصبحت في المدرسة أتذكر في الصف الخامس الابتدائي في مدرسة باب الشيخ الابتدائية ، ونحن في الصف دخل مدير المدرسة عمر شاكر وهو مربّ ٍ ورجل كيّس وأصيل وكان بصحبته رجل فارع الطول ،واخبرنا المدير انه معلم العربية وهو حسين الشبيبي ، فقسمنا الى عدة لجان – لجنة للثقافة –ولجنة للجريدة – ولجنة للأعمال اليدوية – فانضممت إلى لجنة الأعمال اليدوية والجريدة .وأضاف النحات عبد الجبار البناء ان والدي كان معمارا ،فأخذت من والدي (جصاً) ونحت منه رأسا لفتاة ، ولكني لم اقدر ان انحت الفم وتركته كما هو،وفي يوم تقديم الأعمال سألني المعلم –جبار ما الذي عملت للأعمال اليدوية – فقلت له سيدي – وكنا آنذاك نقول للمعلم سيدي ،عملت شيئا ولكنه غير كامل ،فقال لي اذهب الى البيت واحضره حالا وكان بيتنا قريبا من المدرسة ،وعندما رأى الرأس قال لي –جبار هذا تمثال – وهذا عمل جيد،وكانت هذه الكلمة دافعا قويا من خلالها زرع الثقة في نفسي منذ تلك اللحظة ،وهكذا كانت رحلتي الطويلة مع النحت . وعلى الرغم من اشتغالاته في الأجناس الفنية المتعددة في الرسم والنحت وتوظيفة خامات متنوعة خدمة لموضوعاته إلاّ ان انحيازه لمادة الخشب كان واضحاً في مجمل ما أنجزه خلال عمره الفني الطويل طبقاً لتأثير نفسي يتصل مع علائق لذاكرة طفولية حين عمل مع والده لبناء جسور وأمكنة معمارية بغدادية وهكذا أصبح الخشب خامته المفضلة ،وقد ترجمه من خلال قراءاته لشعر الجواهري والكثير من القصائد في النحت على الخشب .وفي باب الشهادات تحدث النحات طه وهيب مسلطا الضوء على بعض المحطات قائلا :لي الشرف ان أتحدث عنه وهو عملاق كبير ، تعلمنا منه الكثير – الفن والإنسانية والتواضع والجمال والخلق ،كانت تجربته لها جذور عميقة بعد ان تتلمذ على أيادي أساتذة كبار امثال جواد سليم وفائق حسن وخالد الرحال ،فهو لا يتحدث كثيراً عن تجربته ولكن يتحدث عن تجارب الآخرين وهذه حقيقة لمسناها منه،ان بصمته واضحة في التجريد وله تجربه الخاصة بالإنسان وأكثر أعماله لا تكون مفردة وأعماله جميعها تتحدث عن معاناة وقضية الوجود .
عبد الجبار البناء في الخميس الإبداعي..نحـت علـى ذاكـرة الخشـب
نشر في: 8 نوفمبر, 2010: 04:56 م