حسين علي الحمدانيبصورة مفاجئة وعكس التوقعات وجدنا بأن السفارة الأمريكية تتدخل في شأن عراقي داخلي بحت ألا وهو تشكيل الحكومة العراقية الجديدة ، وعلى الرغم من اتضاح الكثير من ملامحها عبر الوصول إلى أطر دستورية ما بين التحالفين الوطني والكردستاني، خاصة بعد أن قدم مسعود بارزاني ورقته التي سعت لتأكيد وصياغة المفاهيم المشتركة للشراكة الوطنية في إطارها الدستوري
وبعيدا عن أية تجاوزات ممكن أن تحصل على الدستور تحت مسميات عدة ابتدعها البعض بغية تحقيق أهداف ضيقة وفئوية لا تتعدى مرحلتها .نقول بعد كل هذه المشاورات وتقريب وجهات النظر وإيجاد قواسم ونقاط التقاء مشتركة بين مختلف أطياف الشعب العراقي ، نجد بأن السفارة الأمريكية في بغداد دخلت على خط تشكيل الحكومة العراقية عكس الاتجاه العام الذي أعلن في واشنطن ومن قبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلنتون والناطق باسم البيت الأبيض بأن الإدارة الأمريكية تقف على مسافة واحدة من الجميع ولا يمكن أن تتدخل في شأن تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.وهذا يعني إنها لا تتدخل في تشكيل الحكومة ولا تحاول دعم طرف دون آخر ، خاصة أن مبادرة نائب الرئيس بايدن بعد إعلان النتائج في نهاية آذار الماضي والتي حملت مشروع تقاسم السلطة بين القوائم الفائزة لم تجد الأرضية التي تنمو فيها مما جعل بايدن والإدارة الأمريكية ينأون بأنفسهم عن طرح مبادرات جديدة غير قابلة للتطبيق وسط تمسك الكثيرين بآرائهم رغم إن السياسة كما يعرف الجميع هي فن الممكن .فما الذي يحصل الآن ولماذا تحاول السفارة الأمريكية أن تضع نفسها بموقف المدافع عن قائمة بعينها ونقصد هنا القائمة العراقية ؟ رغم إن قيادات هذه القائمة وما أكثرهم يرفضون مبدأ (الكتلة البرلمانية الأكبر ) من جهة ومن جهة ثانية رفضوا مرارا منصب رئيس الجمهورية وبشكل علني ، وأخيرا رفضوا المشاركة في الحكومة القادمة . فلماذا تصر السفارة الأمريكية على التدخل في مفاوضات تشكيل هذه الحكومة ؟ هل أمريكا متخوفة من عواقب غياب القائمة العراقية ؟ أم تجدها تسعى لإيجاد توازنات بين الكتل ؟ الجواب الحقيقي يكمن بأن زعماء القائمة العراقية لم يستطيعوا إدارة ملف الحوارات مع الكتل الأخرى، بسبب تعدد مرجعياتهم من جهة، ومن جهة ثانية تشعب التيارات المنظوية في القائمة مما جعل صعوبة إيجاد قرار موحد يتفق عليه جميع أعضاء القائمة ، ولم يستطيعوا إيجاد قواسم مشتركة تجمعهم وهذه الكتل والتحالفات ، ومنبع فشل حوارت القائمة العراقية مع الآخرين هي تمسكها بالسقف الأعلى للمطالب دون أن تمنح نفسها مراجعة هذه المطالب وتركت الباب مفتوحا لتحالفات جديدة – قديمة بين التحالف الوطني والكردستاني للوصول لورقة عمل من شأنها كسر الجمود في العملية السياسية في البلد ، وبالفعل توصل التحالفان لصيغ مشتركة كثيرة ونقاط التقاء كبيرة كانت العامل الأساسي في إصدار بيانهما المشترك بالاعتذار عن المبادرة السعودية والاتجاه صوب الحلول العراقية المطروحة، خاصة ما يتعلق بورقة أو مبادرة مسعود بارزاني التي فتحت آفاقاً كبيرة لبلورة رؤى سياسية من شأنها أن تخرج البلد من أزمته هذه .لذا نجد السفارة الأمريكية تحاول أن تمارس دور المفاوض البديل عن القائمة العراقية ، وهذا التصرف مرفوض لأنه يمثل تدخلاً سافراً وعلنياً في الشأن العراقي، وأيضاً عدم السماح للمبادرات الوطنية العراقية بأن تأخذها مداها في النقاش والتطبيق بعيدا عن الضغوطات الخارجية ، خاصة أن شعب العراق وقادته كما يعرف الجميع يتحسسون جداً من تأثيرات الخارج مهما كان بمن فيهم أصدقاء العراق ومنهم الأمريكان .إن هذا التصرف يضع مصداقية أمريكا بإنجاح مشروع الديمقراطية في العراق على المحك وإبرازها كداعمة لقائمة على حساب أغلبية برلمانية كبيرة جدا إذا ما جمعنا مقاعد التحالفين الوطني والكردستاني ، الشيء الآخر والذي لا يمكن تجاهله هو منصب رئيس الجمهورية الذي رفضته القائمة العراقية لعدم وجود صلاحيات كبيرة له بموجب الدستور العراقي، وبالتالي فإن قادة البلد لم يجدوا أفضل من جلال طالباني لتجديد ولايته، لما عرف عنه من وسطية واعتدال وحكمة من جهة، ومن جهة ثانية فإن القومية الكردية استحقاقها الوطني هذا المنصب السيادي دستوريا والمعنوي أخلاقيا لقومية عانت كثيراً شوفينية الأنظمة الاستبدادية لعقود طويلة.
هـواجـس الشــارع العـراقـي
نشر في: 8 نوفمبر, 2010: 05:13 م