لا تزال اونغ سان سو تشي التي تجسد منذ اكثر من عشرين عاما المعارضة للنظام العسكري في بورما، تحتفظ باعتبارها وشعبيتها سواء في بورما او في الخارج، غير انها اضحت مهمشة وبات مصيرها السياسي غامضا. وشبهت المعارضة الحائزة على جائزة نوبل للسلام احيانا بنلسون مانديلا الذي وصل الى السلطة بعدما قضى 27 عاما في سجون جنوب افريقيا ،
لكن يبدو رغم ذلك انها ابعدت بشكل دائم عن السلطة، ولا سيما في ظل توسيع المجلس العسكري نفوذه وسلطته وحل حزبها الرابطة الوطنية من اجل الديموقراطية التي قررت مقاطعة اول انتخابات تشريعية تنظم في هذا البلد منذ عشرين عاما.ولم يكن اقصاء زعيمة المعارضة ليخطر في بال احد قبل عشرين عاما حين كانت الامال كلها معلقة على ابنة بطل الاستقلال الجنرال اونغ سان الذي قضى قتلا، والتي تختزل في شخصها مقاومة القمع العسكري الى حد انها حجبت المعارضين ال2200 الآخرين المسجونين ووضع الاقليات الاثنية في هذا البلد.والحقت الرابطة الوطنية من اجل الديموقراطية آنذاك هزيمة نكراء بالنظام العسكري اذ فازت ب392 مقعدا من اصل 485 كانت مطروحة في الانتخابات ، غير ان الجنرالات رفضوا الاقرار بالنتائج وبالتالي حرمت "سيدة" رانغون من حريتها طوال 15 عاما من السنوات ال21 الاخيرة ، لكن هل يعني ذلك فشل الزعيمة التي خرجت وهي تبكي في ايلول 2007 من منزلها لتحيي آلاف الرهبان البوذيين الذين كانوا يتظاهرون احتجاجا على القمع وعلى غلاء المعيشة، متحدية بخطوتها قوات مكافحة الشغب المنتشرة .ويرد رونو الخبير السياسي في جامعة هونغ كونغ مشيرا الى ان "الديموقراطية ليست مترسخة في المؤسسات ولا متجذرة في الممارسات اليومية في بورما الحالية" ، لكنه تابع "لا يمكن استبعاد وزنها السياسي والايديولوجي في العقدين الماضيين. فقد اثارت هي وحزبها وشبكاتها الداخلية والخارجية، حراكا سياسيا. وان كنا اليوم نتكلم عن حقوق الانسان او الحريات المدنية او الديموقراطية في بورما، فهذا بشكل اساسي بفضلها".ولدت اونغ سان سو تشي في 19 حزيران 1945 والتحقت بافضل مدارس رانغون قبل ان تستكمل دراستها في الهند حيث عينت والدتها سفيرة عام 1960 ثم في اوكسفورد ، وخلال عملها كاستاذة مساعدة في معهد الدراسات الشرقية في لندن تزوجت البريطاني مايكل اريس الاستاذ الجامعي المتخصص في شؤون التيبت والبوذية وقد انجبت منه طفلين.وبعد عودتها الى بورما في نيسان 1988 للاهتمام بوالدتها المريضة القت سو تشي اول كلمة علنية لها في آب من العام نفسه فكان لخطابها البسيط والصادق اثر كبير في نفوس البورميين، ثم حصلت على دعم المعارضة والغرب اللذين ادركا مدى شعبيتها، وقد ضحت بعائلتها وحياتها الخاصة في سبيل القضية التي تناصرها. وفي 1999 حين كان زوجها ينازع في بريطانيا اثر اصابته بالسرطان، اختارت البقاء في بورما خشية الا تتمكن من العودة الى بلادها في حال خرجت منها.واعلن النظام العسكري انه من المحتمل اطلاق سراحها بعد الانتخابات، لكنها اضحت اليوم زعيمة معارضة بدون حزب ، فيما قال خين زاو وين المعتقل السياسي السابق المقيم في رانغون انها "لم تقم بالخيارات الصحيحة" ، واعتبر انها "فوتت فرصا كثيرا بان تقوم بشيء ايجابي حقا من اجل البلاد ومن اجلها هي نفسها" مؤكدا "لقد فاتها القطار" ، " واذا ما افرج عنها اليوم، فسوف يترتب عليها التعرف مجددا الى بلادها بعدما قضت كل هذه السنوات مقطوعة عنها ومحرومة من الهاتف والانترنت " ، لكن العديدين يتوقعون لها رغم ذلك ان يكون لها حضور ومستقبل وان تلعب دورا في بورما.وقال مونغ زارني الباحث في معهد لندن سكول اوف ايكونوميكس "لقد اصبحت مؤسسة والجمهور سيبقى مؤيدا لها طالما انها على قيد الحياة".
اونغ سان سو تشي.. مانديلا بورما

نشر في: 8 نوفمبر, 2010: 06:17 م