TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > الأصل والصورة

الأصل والصورة

نشر في: 9 نوفمبر, 2010: 05:24 م

فريدة النقاشتنفق الحكومة المصرية أموالا طائلة طبقا للتقارير، من أجل تحسين صورتها في العاصمة الأمريكية واشنطن والتواصل الإيجابي مع الإعلام، ويتصور القائمون على الأمر أن الصورة التي يقدمها الإعلام الأمريكي عن بلادنا يمكن تحسينها بالكلام وبصرف النظر عن تغير الأصل الذي تستمد منه الصورة عناصرها.
وفي هذا السياق نفسه بادر وزير المالية (يوسف بطرس غالي) بكتابة مقال في جريدة (الواشنطن بوست) نافياً ما يقوله بعض واضعي السياسات في العاصمة الأمريكية من أن مصر تعاني حالة من الركود، أو أن حكومتها تقاوم التغيير، وأخذ يسوق مبررات يسهل جدا الرد عليها من قبيل أن ما يهم غالبية المصريين هو مستوى المعيشة، وفي هذا الصدد تجتاز مصر مرحلة غير عادية من التحول، وحيث قال البنك الدولي إن مصر من أسرع الدول التي تنمو اقتصادياً في الشرق الأوسط خلال السنوات الثلاثة الأخيرة- وتجنب الوزير - بطبيعة الحال  أي إشارة لقضية الديمقراطية التي يدور الجدل بشأنها بين الحكم والمعارضة على مدار السنين، إذ أن القيود على الحرية والديمقراطية كانت سببا في تفاقم الطابع الأمني للدولة الذي أصاب الحياة السياسية بالركود، وهو ما ينفيه الوزير على غير أساس، ولا تتجاوز المطالب إطلاق الحريات العامة وإعمال المعايير الدولية المعترف بها لهذه الحريات سواء في تداول المعلومات، أو في تحصين الانتخابات ضد التزوير، أو حماية المواطنين من انتهاكات الشرطة.ولعل حكايات تعذيب (عماد الكبير) وقتل (خالد سعيد) أن تكون شاهدة ، فحسب على الانتهاكات وإنما أيضاً على نتائج حالة الطوارئ الدائمة المفروضة على البلاد منذ ثلاثين عاما دون انقطاع، وقد أفضت هذه الطوارئ الدائمة إلى انتشار ما أسميه بثقافة الخوف أو بالأحرى (ثقافة الطوارئ التي أدت بالإضافة إلى انهيار مستوي معيشة الطبقات الشعبية إلى الركود الذي ينفيه وزير المالية في مقاله، في حين يستند إليه الذين يكتبون في الصحف الأمريكية والأوروبية عن الأوضاع في مصر ويقدمون الصور التي تزعج الحكم فينفق الأموال لتحسينها.ويغالط وزير المالية مغالطة فجة حين يقول: إن الحزب الحاكم هو الحزب الوحيد الذي يمتلك رؤية وسجلاً حافلاً لجلب رخاء ونمو مستمر في مصر، مستخدما نفس الفزاعة التي طالما أخاف بها الحكم كل القوى السياسية والاجتماعية الديمقراطية في البلاد، حين يقول ما معناه: إن البديل للحزب الحاكم هو الأصولية ودعاة الدولة الدينية، متجاهلاً  طبعاً  مسؤولية الحزب الذي حكم مصر عبر التزوير المتواصل للانتخابات، وعبر ثلاثين عاما متواصلة عن زيادة نفوذ قوى الأصولية والإسلام السياسي حين فرض القيود على الحريات وأطلق قوى السوق والرأسمالية المتوحشة، وانسحب تدريجياً من ميدان الخدمات الاجتماعية ليخلي الساحة لقوى الإسلام السياسي البالغة الثراء.ولعل الكذبة الكبيرة في مقال وزير المالية أن تكون عن ارتفاع مستوى المعيشة في مصر، فمن سوء حظه أن الارتفاع المتواصل في أسعار السلع الغذائية قد جعل من الجوع حقيقة لا مجازاً.وكان تقرير التنمية البشرية لسنة2010 قد خلص بعد دراسة تجارب التنمية في العالم إلى أن التركيز على تحقيق النمو الاقتصادي بدون الاهتمام الكافي بالسياسات الاجتماعية لم تكن سياسة صائبة، وأضاف أن هناك عديداً من الدول حققت نمواً مرتفعاً ولكنها لم تحقق الإنجاز المطلوب في التنمية البشرية، وأخرى على العكس أنجزت أهدافها التنموية في مجالات: التعليم والصحة رغم معدلات النمو الاقتصادي الصغيرة، وأطلق التقرير مؤشراً تم بموجبه تخفيض تقدير التنمية البشرية في مصر من 620.0 نقطة إلى 449.0 نقطةودعا التقرير إلى ضرورة مشاركة جميع أطراف المجتمع في تحمل أعباء الأزمة على ألاّ تتحمل الفئات الأقل دخلا العبء الأكبر وألاّ يتم التراجع عن الإنفاق على الاحتياجات الاجتماعية، وقدم التقرير تعريفه للديمقراطية باعتبارها قدرة الناس على المشاركة في صنع السياسات العامة لبلادهم، وفي بلادنا يصنع السياسات بعض رجال الأعمال أصحاب الحظوة والمرتبطين بالسلطة، مستفيدين من شبكة الفساد الواسعة.هذا باختصار هو الأصل الذي يبني عليه الإعلام الأمريكي الصور، وبدلاً من الاتفاق على تحسين الصور نحن مدعوون لتغيير الأصل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram