TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > استخدام الموسيقى في الدراما

استخدام الموسيقى في الدراما

نشر في: 3 ديسمبر, 2012: 08:00 م

أكتب هذه الخاطرة حيث لفت انتباهي استخدام بعض المخرجين الشباب الموسيقى في مسرحياتهم التي قدموها خلال أيام مهرجان بغداد لمسرح الشباب العربي الذي انعقد أوائل شهر تشرين الثاني المنصرم، وقد لاحظت إساءة ذلك الاستخدام وخصوصاً عندما يكون هناك عزف حي على آلة موسيقية (الناي أو الكمان) إضافة الى المقطوعات الموسيقية المسجلة والمذاعة عبر (السماعات) كما حدث على سبيل المثال في عرض المجموعة المصرية (ليلة القتلة) وفي عرض المجموعة الجزائرية وفي كلتا الحالتين لم أجد مبرراً منطقياً ولا فنياً لتلك المزاوجة حيث لا علاقة للعازفين بالحدث الدرامي ولا بشخوص المسرحيتين وينم ذلك عن قصور في فهم أبسط قواعد فن الإخراج المسرحي.
استخدام الموسيقى في العرض المسرحي، سواء كان لإسناد الجو النفسي للمشهد أو لمرافقة الكلام الملحن أو لتغطية فترات الصمت، قديما قدم المسرح نفسه بل حتى في شكل الفن المسرحي بصيغته المرتبة في القرن الخامس قبل الميلاد على يد الإغريق القدماء، فقد كانت الموسيقى مستخدمة في الطقوس الدينية وفي الاحتفالات القبلية، وكان للطبل أثرها في تعزيز المشاركة الوجدانية للمشاركين في الطقس او للمراقبين له، اذ كانت الموسيقى جزءاً مكملاًُ للتراجيديا والكوميديا بمرافقتها للمقاطع الكلامية للحركة وكانت آلة الفلوت والادبو من الآلات المستخدمة آنذاك.
استمر استخدام الموسيقى في الدراما الدينية في القرون الوسطى وخصوصاً بمرافقة التراتيل في الكنيسة.
في عصر النهضة ظهر نوع من المسرحيات سمي (الانترميزي) كان للموسيقى دور فعال منها وقد مهد ذلك النوع لظهور الأوبرا في القرن السابع عشر ولعل أهم تطور في استخدام الموسيقى في الدراما تاريخياً حدث على يد الموسيقار (ريتشارد فاغز) وذلك عندما رفض الصيغة الموسيقية الدرامية المتبعة في الاوبرا القديمة وعمل على خلق التوازن بين العناصر الموسيقية – الغنائية وبين العناصر الدرامية - الحبكة والشخصية والفكر واللغة وما إليها في حين كان العنصر الغنائي هو المتغلب في الأوبرا القديمة.
كان (شكسبير) يعطي أهمية للموسيقى في مسرحياته وكما هو الحال لدى كتاب المسرحية في العهد الاليزابثي، وفي ذلك الحين تحولت الموسيقى من جزء مكمل او أساسي في العرض المسرحي الى ان تصبح وسيلة للتعبير ويمكن أن نجد في إرشادات ذلك الشاعر الكبير في نصوص مسرحياته الى الموسيقى فنقرأ جملاً مثل (موسيقى جدية عميقة) أو (موسيقى ناعمة) أو (أبواق من الداخل).
ومن المعروف عن المسرح الشرقي التقليدي - الهندي (الكاثاكالي) والصيني (اوبرا بكين)، والياباني (الكابوكي)، استخدامه للموسيقى المرافقة للكلام وللحركة وظهور العازفين على المسرح أمام أنظار الجمهور خلال العرض.
ويمكن القول إن الموسيقى التعبيرية والتصويرية قد أصبحت عنصراً مهماً في العرض المسرحي عند ظهور المدرسة الواقعية في النص وفي العرض من شأنها المساهمة في تحقيق عامل الإيهام بالواقع عن طريق توفير مكونات البيئة صوتياً وبصرياً، فكان لزاماً تنفيذ بعض المؤثرات الصوتية مثل صوت تساقط المطر أو هبوب عاصفة أو صوت الرعد أو ضجيج الشارع وغير ذلك، كما أصبح لزاماً لتحقيق الأجواء النفسية في بعض مشاهد المسرحية ودعم الحالة العاطفية التي تمر بها الشخصيات الدرامية أن تستخدم موسيقى تعبيرية توافق الفعل الدرامي أو تتخلل فترات الصمت أو تغطي فترات الانتقال من مشهد الى آخر او من فصل الى آخر.
وفي العصر الحديث ظهر خلاف بين الدارسين والمطبقين للفن المسرحي حول أهمية استخدام الموسيقى في المسرح الدرامي، المؤيدون لاستخدامها كوسيلة تعبيرية وتصويرية يدعون مساعدتها للمشاهدين في انشدادهم للمشهد المسرحي، ومساعدتها للممثلين في أدائهم وتقمصهم للشخصيات الدرامية، حيث تنتقل مؤثراتها من السمع الى المشاعر، ويرى المعارضون أن استخدام مثل هكذا موسيقى يؤثر في نقاء الدراما، ويبررون معرفتهم بأن الموسيقى هي تجميل غير ضروري للدراما وإنها تثير الأحاسيس على حساب الإدراك والعقل.
وأنهي الخاطرة هذه بملاحظة مهمة هي أن المخرجين المسرحيين والسينمائيين في بلادنا وفي بلاد عربية أخرى يستخدمون مقاطع من الموسيقى الغربية كسيمفونيات بيتهوفن وجايكوفسكي وغيرهما، لتكون موسيقى تعبيرية أو تصويرية في مسرحياتهم او أفلامهم مع ان موضوعات أعمالهم وبيئاتها عراقية أو عربية، فما علاقة الموسيقى الغربية بها، وعندما تحتج عليهم بهذا الخصوص يرون بأن الموسيقى العربية او الشرقية طربية أكثر مما تكون تصويرية أو تعبيرية، ونحتج مرة أخرى ونقول أليس بإمكان الموسيقى العربي ان يؤلف موسيقى تعبيرية؟ ألم يستطع الفنان (نصير شمه) أو الراحل (منير بشير) ذلك، ألم يساهم (نصير شمه) بعزفه على العود في موسيقى تصويره لمسرحية الغربي (الطبيب الصديق) المعنونة (ألف حكاية وحكاية من سوق عكاظ) التي عرضت في المسرح الوطني أواخر الثمانينات، وماذا تقولون عن موسيقى (محمد عبد الوهاب) في أوبريت (قيس وليلى)؟ وماذا تقولون عن موسيقى (الهام المدفعي) التي استخدمها المخرج (محسن العزاوي) في مسرحية غربية هي (لا تدفنوا الموتى) التي قدمت في مسرح الرشيد أواسط الثمانينات منذ القرن الماضي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

يوميّات سوريةً

العمودالثامن: من الفوضى إلى التهريج

العمودالثامن: بغداد تقرأ

العمودالثامن: إنهم يكرهون العراق؟

العمودالثامن: 53 عاماً من التفوق

العمودالثامن: إنهم يكرهون العراق؟

 علي حسين ماذا تسمي رجل دين ، يحمل الجنسية العراقية ،ويتقاضى اموالا من العراق ، يخرج من على شاشة احدى الفضائيات ليقول بكل اريحية ان العراق غير مهم بالنسبة له ، مثل اهمية...
علي حسين

باليت المدى: النوافذ المُشرعة

 ستار كاووش تمتلأ شوارع وساحات مدينة فيينا بإعلانات المعارض التي تقام هنا وهناك دون توقف، وقد إحتلتْ إعلانات متحف ليوبولد أماكن مهمة من المدينة، حيث لا تنعطف نحو ساحة أو شارع إلا وتداهمك...
ستار كاووش

اختبار مصداقية دور النخب العراقية الواعية في بناء عراق" حضاري - إنساني "

د. أحمد عبد الرزاق شكارة إن نقطة الشروع في بناء عراق حضاري - أنساني جديد يعد اختبارا لمصداقية تحمل النخب الواعية المبدعة مسؤولية كبرى للتغيير الايجابي بأتجاه بناء دولة المواطنة - المدنية مسألة في...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

رجاءً سيدي الرئيس،ما الذي كنت تفعله طوال هذه السنوات؟

أحمد عبد الحسين أزعم أن لي معرفة بالشأن السوريّ. فأحببتُ أن أسأل هذه الأسئلة التي قد تبدو ساذجة. وليكن. السؤال الساذح يمكن أن يكون مفتاح معرفة.ما الذي كان يفعله هذا الرجل؟لن أقول: ما الذي...
أحمد عبد الحسين
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram