أثارت بعض الملاحظات التي سجلت عن الموازنة المالية الاتحادية الكثير من القضايا التي تتطلب الوقوف أمامها مليا للخروج بنقاط تجعل الموازنة أكثر ايجابية وشاملة للكثير من البنود التي تحمل أهدافا حقيقية تسعى إلى تحقيقها ضمن إستراتيجية واضحة المعالم مقارنة بالموازنات المالية السابقة.
(المدى) حاورت نائب محافظ البنك المركزي العراقي مظهر محمد صالح للوقوف على أكثر ملامح الموازنة المالية الاتحادية لسنة 2013 ايجابية, وما هي أوجه النقد اللاذع التي يوجهها أهل هذا الباع تجاهها.
* العد التنازلي لإطلاق الموازنة المالية الاتحادية يكاد ينتهي، هل من ملاحظات تجاهها؟
- من أهم الملاحظات التي أراها في تلك الموازنات المالية الاتحادية في العراق التي يتم إصدارها في كل سنة من الواضح أنها تخلو من جانب مهم وضروري في آن واحد هو عدم تضمنها خطاب الموازنة، الذي له مهام كبيرة في هذا السياق كونه يقوم بتوضيح أهداف الموازنة، وهو كذلك مهم جدا في إعداد إستراتيجية الموازنة وغيرها.
وبالتالي تكون الموازنة المالية بدونها عبارة عن موازنة تتضمن أرقاما وإحصاءات معينة من دون أن تتضمن الأهداف العامة لها، كما أن هناك أرقاما تتضمنها الموازنة تم الاستقصاء عنها من قبل وزارة المالية والتي أصدرتها ضمن تقاريرها الدورية بهذا المجال والتي توضح جملة من الحقائق في القطاع النقدي، والمعلومات برغم كونها غير نهائية تقدر الموازنة الاتحادية لسنة بــ (138) تريليون دينار عراقي، والتي تفوق سقف الإنفاق للموازنات الاتحادية السابقة وهو يعد الأكبر في تاريخ العراق خلال السنوات الماضية، لاسيما 13,13% من سقف الإنفاق بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي وهي معضلة بحد ذاتها كبيرة، على الجميع عدم تغافلها، وكذلك نسبة العجز التي تظهرها الموازنة الحالية تقدر بــ(9%) في حين عالميا يجب أن لا يتخطى الـ(3%)، أما سعر برميل النفط في هذه الموازنة فهو 90 دولاراً، بطاقة تصديرية تقدر بــ 9, 2 مليون برميل يوميا .
* وماذا عن توزيع الموازنة المالية الحالية؟
- بخصوص توزيع الموازنة فهي كالآتي 5, 38% منها استثمارية 5, 61% تشغيلية، وان حجم الاستثمارية وهي الطاقة الكبرى فيها فالنسبة المذكورة سابقا تساوي 45 مليار دولار، وهي لو تم إنفاقها بالشكل الصحيح ضمن معدلات الإنفاق الاستثماري من الناتج المحلي ستكون بنسبة 26% وهي بذلك تكون قد فاقت المتوسط العالمي لمعدلات الانفاق الاستثماري في العالم ، في حين انها يجب أن لا تتجاوز نسبتها الـ23 -25% بالنسبة للقطاع الحكومي وليس للقطاع الخاص فقط.
* ما هي برأيكم الإخفاقات والنجاحات المتحققة في الموازنة الحالية؟
- إن البلاد التي تعيش في حالة من النمو الاقتصادي المرافق لارتفاع معدلات التضخم في آن واحد، إذ أن النمو المتحقق من جراء الواردات المتحققة من القطاع النفطي للاستثمارات الكبيرة في هذا القطاع على وفق التقديرات للبنك المركزي العراقي، وتحقيق هذا القطاع لمستويات نمو كبيرة يفوق بها الصين بين دول العالم الأكثر نموا في الاقتصاد، إلا أن المشكلة تكمن في البطالة المرتفعة التي تتجاوز نسبة الــ(15%) والمرتفعة بين أوساط الشباب الى أكثر من (28%)، لاسيما إذا عرفنا أننا نميز بكوننا امة شابة أي بلد شاب والذي يعيش بما يعرف بــ( عنق الزجاجة) لحد الآن.
* وماذا عن معدلات النمو للناتج المحلي عدا القطاع النفطي؟
- إن معدلات النمو في الناتج المحلي تساوي الزيادة السكانية المتحققة أو أكثر من ذلك، وهي مشكلة بحد ذاتها تواجه الاقتصاد العراقي ، حيث أن هناك إهمالا واضحا للقطاع الخاص المحلي، لاسيما إذا عرفنا أن العراق يعتمد نهج اقتصاد السوق، وكيف تعول الخطة هذه في نجاحها إذا كان حجم النفقات الاستثمارية بنحو 45 مليار دولار تقوم بتحقيق معدلات نمو بــ11%، إذ أن كل 13 مليار دولار منها يحقق نسبة 7,3% ، وهي لو تم احتساب ثلاثة أضعافها تكون قريبة من نسبة الــ 11% .
إن المشكلة تكمن في التنفيذ الحكومي الذي لا يتجاوز الــ 50% من مفردات الموازنة، في حين أن الحكومة تؤكد أنها تنفق الجزء الآخر من الموازنة على السوق المحلية الذي من أهم مميزاته المضاربة في التعاملات التجارية والنقدية من اجل تحقيق الأرباح بأي شكل من الأشكال سواء من خلال التجارة الاستهلاكية أو تجارة الخدمات المالية التي تخدم هي الأخرى القطاع الاستهلاكي التجاري، وهذا يعني عدم الوصول إلى ممارسة النشاط الاستثماري الحقيقي وهي بلا شك من أهم أسباب ارتفاع معدلات البطالة في العراق حاليا.
* وعدا ذلك ما هو دور القطاع الخاص هنا؟
إذا أخذت الناتج المحلي الإجمالي عدا القطاع النفطي لا تجد سوى نشاط واحد هو المنحصر في تقديم بعض الخدمات المالية، وبالتالي تنشأ السوق التي تنمو بها البطالة بشكل واسع، ولعل من جملة المعالجات التي ترد هنا هي تشريع قانون البنى التحتية لرفع مستوى إنتاجية السوق المحلية ونمو الاستثمارات والاقتصاد الوطني، كما أن ما نحن بحاجة إليه الآن هو إيجاد خطة شراكة استثمارية بين الحكومة والقطاع الخاص تمتد لسنوات من اجل تحقيق الإصلاح والذي تكون فيه الحكومة هي الجهة المسؤولة عن العمل والأرض ورؤوس الأموال، فيما يكون للقطاع الخاص تحمل مسؤولية الإدارة ورأس المال والعمل كذلك، وبالتالي تكون هناك حالة من التوافق بين القطاعين من خلال التفاعل بين عوامل الأرض والإدارة والعمل ووجود رأس المال المشترك، من اجل السعي إلى القضاء على البطالة من جانب وإيجاد المنافذ التسويقية وتوفير فرص العمل وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.