فيصل عبد اللهلعل الحدث الأبرز لدورة مهرجان أبو ظبي السينمائي الرابعة(14-تشرين الأول/أكتوبر 2010)، هو ان جل جوائزه المهمة ذهبت الى بلد واحد إسمه لبنان، إذ فاز بهيج حجيج بجائزة "اللؤلؤة السوداء" لأفضل فيلم عربي عن شريطه "شتي يا دني"، وقدرها 100 ألف دولار أمريكي. ومثله حصلت رانيا عطية والأمريكي دانييل غارسيا جائزة "اللؤلؤة السوداء" عن شريطهما "طيب، خلص، يللا" لأفضل فيلم روائي لمخرج عربي جديد، ضمن فقرة آفاق.
فيما نال ماهر أبي سمرا مناصفة جائزة أفضل وثائقي من العالم العربي او عن العالم العربي عن شريطه "شيوعيين كنا"، بينما حصل محمد سويد على تنويه خاص من قبل لجنة التحكيم عن عمله "بحبك ياوحش".صحيح ان ما حققته الأشرطة السالفة كبير ومهم. كون موضوعاتها إقتربت من قضايا وأجواء محلية صرفة، وساجلت وتأملت المصائر و توسلت التجربة الإنسانية. وعبر إعادة صياغة فنية لما حدث في بلد ما زال يئن من وطأة حرب أمتدت لـ 17 عاماً من الإقتتال الطائفي الأعمى، وكانت بمثابة المرجع لما حدث وما ترتب عليه من مرارات مقيمة. ومن خلال الضرب على ثنائية التقاطعات بين الماضي القريب والحاضر الملتبس، بين السياسة وموضوعها، بين الذاكرة الشخصية ولعبة الزمن. المخطوفون وقضيتهم كان عماد شريط حجيج. وذاكرة الطفولة في مدينة طرابلس الشمالية هو ما إشتغلت عليه رانيا عطية وزميلها الأمريكي دانييل غارسيا. في حين جاء سؤال؛ لماذا يعود الشيوعيون الى طوائفهم بعد تعقد مشهد الصراع السياسي في لبنان إبان الغزو الإسرائيلي في العام 1982؟ ليشكل محور عمل ماهر أبي سمرا الوثائقي. إلا ان الفضل، أو في الأقل جزء آمنه، يعود الى مهرجان أبو ظبي السينمائي، وصندوقه "سند"، في تعضيد هذه التجارب السينمائية مادياً ودفعها لترى النور. ما قدمه صندوق "سند"، لم يقتصر على إشتغالات من بلد بحد ذاته. إنما وسع مساحة عطاءاته المادية لتشمل إشتغالات قادمة من رقعة جغرافية واسعة تمتد من مصر لسوريا وإيران وباكستان والإمارات العربية المتحدة والعراق.ومن رحم "سند"، وغيره، ولد شريط "كرنتينة" الأخير لعدي رشيد، عُرض ضمن فقرة آفاق جديدة. إلا انه حمل، أيضاً، إسم دائرة السينما والمسرح العراقية كجهة منتجة. فضلاً عن إسم، صندوق دعم تابع لمهرجان روتردام السينمائي الدولي. ومع ذلك، فقد بدا شريط "كرنتينة" خارجاً، او بالأحرى متمرداً، عن سياقات مؤسسات دولتنا العتيدة وتصوراتها للعمل الثقافي والفني. خارجاً لأنه قدم صورة أقرب لواقع ونبض اليوم منها الى الوعود الكاذبة والأعذار المتهافتة. ما بدأه رشيد في عمله الأول "غير صالح"(2005)، وقارب فيه ما ترتب من خراب ضرب مدينته بغداد في الصميم إبان غزو بلده العراق، يواصله في جديده. ومن تبعاته، كذلك، إنهيار قيميّ وأخلاقي شمل الجميع بأوساخه، من النهر الى القاتل المأجور. ما يقوله الشريط ونتابعه، هو في حقيقة الأمر صورة لبلد يحترق يومياً على يد الجميع. على صوت إنفجار يحصد السابلة الأبرياء، إغتيالات بكواتم صوت تستهدف الأساتذة الجامعيين والمفكرين، إستيلاء على المال العام والخاص تحت مسمى "الحواسم"، أيد خفية تدير لعبة الموت وتزرع الخوف في نفوس العباد خلف يافطة الأستاذ، وحضور أمريكي سافر في شوارع مدينة غدت نهباً للأغراب. "كولاج" ليوم بغدادي صرف، أبطاله قاتل مأجور (أداء جيد لأسعد عبد المجيد) يحتمي في غرفة مطلة على باحة دار مستولى عليها بأمر الأستاذ. ومثله عائلة صالح (حاتم عودة) وزوجته كريمة (آلاء نجم) والشابة مريم والصبي مهند الذي يعين عائلته عبر العمل كدهان أحذية على حساب دراسته. ومع ذلك، فهذه العائلة هي الأخرى تنعم ببركات الأستاذ وستره. وطالب (حيدر منعثر) حامل البريد السري بين عالم نجهل خفاياه وبين أداته الجرمية. جرائم القاتل المأجور تحدد سلفاً وفق قائمة تعد بعناية من قبل الأستاذ، وهو ما نشاهده ظاهراً على الشاشة. ولكن من هو الأستاذ؟ هل له علاقة بتسمية "شبل" أرعن وقاتل عرفه العراقيون من قبل؟ أم انه كنية/إشارة لتناسل أساتذة جدد يحتضنهم المشهد العراقي؟ إلا ان رشيد فعل حسناً، إذ أبقى لنفسه فسحة التلميح دون التصريح بمقاصده. وحده القاتل نعرف مواصفاته وخلفيته العائلية. فاشل في دراسته، فاشل في حبه، ليست له صداقات يعتد بها ومطرود من رحم عائلة. ومع تسلسل أحداث الشريط، نكتشف ان صدمة الشابة مريم وفقدانها النطق كان بفعل إغتصابها من قبل والدها كريم. ولتدارك فعلته الشنيعة، يلجأ الأب الى الصلاة من أجل طلب التوبة والغفران وعذره "ساعة شيطان". ما يدفعه، في آخر الأمر، الى طلب مساعدة مشعوذة تعلن النبأ الفضيحة بعد كشفها على مريم. بالمقابل، تقود الزوجة كريمة(أداء رائع للممثلة آلاء نجم) سذاجتها الى خيانة زوجها مع القاتل هرباً من يوميات ما عادت تطيقها. لكنها تكتشف ان لا فرق بين شارب وشارب، كما تقول في منولوغ يعبر عن حيرة. ولتبوح بلوعتها وحاجتها الى العيش الكريم والعمل وزيارة الصديقات والتحدث معهن، ليس كما رسم لها الرجال قدرها. دراما لوثت الجميع دون أستثناء بآثامها. القاتل المأجور يُصفى لانه نفذ عملية إغتيال خارجة عن الأصول كما يُقال له. وقد رأى البعض، بان مشهد أطياف من قتلهم، او خيب أمالهم، م
"كرنتينة" عدي رشيد.."كولاج" ليوميات بغداد، ما نحن فيه وبراء منه
نشر في: 10 نوفمبر, 2010: 04:59 م