صبيح الحافظكان العراق جزءاً من الامبراطورية العثمانية التي تقوضت خلال الحرب العالمية الاولى ، وعانى ما عاناه من حكم تلك الحقبة التي دامت أربعة قرون وبقيت إلى يومنا هذا بعض مخلفات تلك الفترة التي ترهق كاهل المواطن كنوع من أنواع الضرائب التي يفرضها النظام الأميّ ، وهي الالتماسات والطلبات التي تقدم من قبل المواطنين للسلطات العثمانية والتي تدعى اليوم بالعريضة ومحررها الذي يدعى كاتب العرائض .
كان الطلب أو الالتماس يسمى (عرضحال) وكاتبه يدعى (عرضحالجي) وهذه لكنة تركية حيث يضاف المقطع (جي) للنسبة الى كاتب العرضحال ، ومثل هذه الالفاظ كثيرة حينذاك ، فصاحب العربة يدعى (عربنجي) وصاحب القهوة (قهوجي)، وهكذا. وعرضحال مركبة من الفعل (عرض) أي قدم وحال أي تقديم وعرض صفة الشخص الذي يبغي رفع مظلوميته أو غبن عنه ، وبمرور الزمن وتغيراته تقلصت لفظة العرضحال الى عريضة، ومحررها يدعى كاتب العدل وجمعه كتّاب عرائض، وهكذا استقر هذا اللفظ بإقامة المملكة العراقية وحينها كانت الأمية متفشية، ونادراً ما نجد من يقرأ ويكتب ، وحتى كاتب العريضة هو نفسه من عداد الأميين حيث كانت الصيغة التي تكتب بها العريضة ركيكة وتشوبها الأخطاء الإملائية والنحوية ، اليوم نجد بجانب ومحاذاة أية دائرة رسمية عدد كبير من كتاب العرائض وكل واحد اقتعد على كرسي مائل ومنضدة غير مستقرة لخلل فيها، وفوقها بعض الأوراق والملفات ينادي المارة: عريضة ، عريضة .. وهذا ما نلاحظه خصوصاً أمام دوائر الجنسية وجوازات السفر كما أن اسم العريضة مرّ بمرحلة التطور والتجديد فإن أجور كتّابها تدرجت من خمسين فلساً إلى ألف دينار أو أكثر ، وذلك حسب الطلب.إن وجود كاتب العرائض يشير إلى دوائرنا وعدم قدرتها على تجاوز الروتين وتفشي الأمية الثقافية ، وكاتب العرائض لا يبذل أي جهد لان الطلب مصمم ومطبوع على شكل استمارة ، وما على كاتب العرائض إلاّ أن يضيف بعض البيانات واسم مقدم الطلب فقط .إن هذه التركة التي ما زالت تتسبب في اكتظاظ المواطنين لم يعد لها مبرر الآن، فالطلبات يجب أن تكون جاهزة ومطبوعة ولها موظف متخصص بالدائرة المعنية يقوم بهذا العمل، إضافة إلى وظيفته الرسمية.لقد اختفت كثير من المخلفات العثمانية وأصبحت جزءاً من التراث الشعبي، فيما بقي بعضها ورغم دخول الحاسوب والاستنساخ إلاّ أن بعض دوائرنا ما زالت تشبه المتحف البغدادي من مثل هذه المخلفات المتخلفة ، وإذا ما أريد أن يسدى الخير لهذه الشريحة التي تمارس هذه المهنة فيجب أن ُتهيّأ لهم فرص عمل في تلك الدوائر، وبذلك نكون قد نقلناهم إلى ظرف يلاءم الحاضر الحضاري ويقضي على مخلفات متخلفة وينقذ المواطن من إجراءات روتينية ليس من مبرر لوجودها غير تخلف دوائر الدولة كمثل هذه الظاهرة الشوهاء.
العرضحالجي .. مخلّفات الدولة العثمانية
نشر في: 10 نوفمبر, 2010: 05:06 م