د. عبد الله المدنيتشهد العلاقات الثنائية ما بين سريلانكا الخارجة للتو من حرب أهلية ضروس، والصين المنافسة التقليدية سياسياً واقتصادياً وعسكرياَ لجارة سريلانكا الجنوبية، أي الهند، تنامياً مضطرداً منذ بعض الوقت. ويمثل مشروع "هامبانتوتا"، الذي بدأ العمل به في منتصف آب /أغسطس من العام الجاري، وينتظر استكماله وافتتاحه هذا الشهر، أحد أهم معالم هذا التطور.
ويستمد المشروع اسمه من منطقة لا تبعد سوى عدة أميال بحرية من سواحل الهند الجنوبية، أي شمال الممر البحري الستراتيجي الذي يربط قناة السويس بمضيق ملقا، والذي تعبره ما لا يقل عن 36 ألف باخرة سنويا. وحينما يـُفتتح المشروع رسمياً، فإنه من المنتظر أن تتحول سريلانكا إلى أهم مركز للشحن والتصدير والتزود بالوقود في منطقة جنوب آسيا، خصوصا أن المشروع يشتمل على مصفاة لتكرير النفط، ومعامل لإسالة الغاز الطبيعي، ومستودعات لتخزين وقود الطائرات، و ثلاثة أرصفة منفصلة لاستقبال البواخر الضخمة، وهو ما سوف يساعد الناقلات المارة عبر المحيط الهندي في طريقها إلى المحيط الباسفيكي أو البحرين الأبيض والأحمر على إجراء عمليات التصليح والصيانة الضرورية والتزود بالوقود. أما عن تكاليف هذا المشروع، فيقال أن إجماليها بلغ نحو بليون ونصف البليون من الدولارات، دفعت بكين منها 550 مليون دولار لإكمال المرحلة الأولى فقط، في صورة قرض ميسر، مع تعهدها بدفع قرض آخر بمبلغ 200 مليون دولار لإكمال المرحلة الثانية، فضلا عن المساعدات الفنية والاستشارية التي قدمتها مؤسسات صينية كبرى مثل: "شركة هندسة الموانئ" و"مؤسسة الصين للتعاون الهيدروليكي".إضافة إلى هذا المشروع الحيوي، يلاحظ المراقبون انخراط الصينيين في عدد آخر من المشاريع في سريلانكا، أهمها بناء المطار الدولي الثاني بعد مطار كولومبو، وذلك في منطقة "هامبانتوتا" أيضا، وإقامة جسر يربط ما بين العاصمة كولومبو ومطار "كاتوناياكه" بتكلفة إجمالية تصل إلى 248 مليون دولار، وإقامة محطة للكهرباء باستخدام الفحم في "نوروتشولا" بتكلفة تزيد قليلا على 850 مليون دولار، وبناء مسرح حديث ضخم للفنون في العاصمة،غير أن هذا ليس كل شيء. فبكين حصلت مؤخراً على عقد من الحكومة السريلانكية لإدارة وتشغيل المنطقة الاقتصادية الخاصة في "مريغاما"، التي يـُنتظر أن يكون الصينيون على رأس المستثمرين فيها. من جهة أخرى قدمت بكين مليون دولار لسريلانكا كهبة ومساعدة إنسانية من أجل إعادة بناء المناطق التي دمرتها الحرب الأهلية في المقاطعات الشمالية والشرقية.ومما يجدر ذكره في هذا المقام أن العلاقات الثنائية بين البلدين، التي تأسست في الخمسينيات من القرن المنصرم على خلفية اتفاقهما على أن تكون الصين سوقا مفتوحة ومضمونة لتسويق صادرات "سيلان" - كما كانت تسمى وقتذاك – من المطاط، مقابل أن تتعهد كولومبو بالبيع بأسعار متدنية، شهدت صعوداً غير مسبوق بعد وصول الرئيس السريلانكي الحالي "ماهيندرا راجاباكسا" إلى السلطة في عام 2005 . ودليلنا هو أن المساعدات المالية الصينية لسريلانكا التي لم تكن تتجاوز بضعة ملايين من الدولارات في عام 2005 قفزت في عام 2009 إلى 1.2 بليون دولار، ناهيك عن المشاريع التي قامت بها الشركات الصينية في هذه الجزيرة منذ عام 2006 ، والتي بلغت قيمتها الإجمالية 3.06 بليون دولار طبقا لمصدر مستقل.لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا تمنح بكين كولومبو كل هذه المساعدات وتنخرط بكثافة في مشاريع الأخيرة؟ ولماذا تنفتح كولومبو بهذه الصورة على بكين دون أي اعتبار لجارتها الهندية الكبرى؟الجواب، بطبيعة الحال، له علاقة بالتنافس التاريخي بين بكين ونيودلهي على النفوذ في منطقة المحيط الهندي وجنوب آسيا، لكنه من ناحية أخرى هو صدى لتأييد بكين ودعمها الكامل للحكومة السريلانكية، تسليحا وتدريبا وتمويلا، في حرب الأخيرة ضد نمور التاميل الانفصاليين، وهو الدعم الذي لولاه لما تمكن الجيش السريلانكي من القضاء قضاء مبرما على تلك الحركة الانفصالية طبقا للأستاذ المشارك في "جامعة جواهر لال نهرو" الهندية البروفسور "سريكانته كوندا بيلاي"، الذي أوضح أيضا أن سريلانكا حاولت لسنوات طويلة أن تزيد وتحدث مشترياتها من الأسلحة، لكن كل الأبواب كانت مقفلة أمامها، ما عدا الباب الصيني.وربما كان العامل الآخر في إستحسان السريلانكيين للتعامل مع الصينيين على حساب جيرانهم الهنود، هو أن المساعدات الصينية لم تكن قط مشروطة، أي بعكس المساعدات الهندية، مثلما أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبو "سوسيبيلاي كيثابونكلان"، ثم أن الاستثمارات الاقتصادية الهندية كانت تذهب في العادة إلى مناطق الأقلية التاميلية، وبالتالي لا تراها أو تستنفع من
ماذا يجري بين الصين وسريلانكا؟
نشر في: 13 نوفمبر, 2010: 05:04 م