TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > كتـابـة التـاريـخ أم صناعتـه؟

كتـابـة التـاريـخ أم صناعتـه؟

نشر في: 14 نوفمبر, 2010: 04:58 م

إيمان محسن جاسمظهرت العديد من المدارس التاريخية التي طرحت رؤيتها لفهم التاريخ وكتابته ، وبعضها اتخذ هذا وسيلة لإعادة كتابة التاريخ وفق ثقافته وأيدلوجيته بغية ترسيخ ذلك في الأجيال رويدا رويدا وكانت هذه المدارس عادة لا تستند إلى الوثائق بقدر استنادها للروايات
 لأنها لا تمتلك الوثائق التي تدعم ما تريد إيصاله للمجتمع ، وقد بالغ في ذلك الألمان في عصر النازية الذين قاموا بصياغة أحداث التاريخ ومساراته بما يتفق مع أهداف وطموحات الحركة النازية التي تزعمها أدولف هتلر.rnوهذا ما مهد لهم الأرضية داخل ألمانيا من تعبئة الشعب الألماني على هذا النهج وبلورة طروحات فكرية وفلسفية أتاحت بالتالي لأن تتمكن  جيوش النازية من اجتياح نصف أوروبا في الحرب العالمية الثانية وتقدم ما تقدمه من تضحيات وسط الماكنة الإعلامية الرهيبة لغوبلز وتأثيراتها الكبيرة ليس على المجتمع الألماني فقط بل تعدتها لمجتمعات أخرى داخل أوروبا وخارجها ، وبالمقابل من ذلك كانت هنالك المدرسة الأمريكية التي قادها هربرت أدامز وفردريك ترنر والكابت ماهان والمدرسة الماركسية والقومية وغيرها. وكلها كانت محاولات لتفسير التاريخ من منظور مادي يستند إلى إطار فلسفي أو فكري معين ينحو باتجاه أدلجة التأريخ وفق مقتضيات المرحلة الآنية .والتاريخ وكتابته كما يعرف الجميع عملية تراكمية تواصلية لا تتوقف ولا تربط إلا بحركة التاريخ نفسه ، وما يمكن أن نكتشفه من تاريخنا العربي والإسلامي أنه لم يعتمد على الوثيقة كمرجعية بقدر ما اعتمد الرواية والرواة من جهة ومن جهة أكثر أهمية أنه ابتعد عن منهج البحث العلمي للتاريخ ، أي انه تناول التاريخ بمعزل عن العوامل الاجتماعية والدينية والاقتصادية في لحظتها ، وبالتالي فإن رواتنا نقلوا التاريخ من مرحلته التنظيمية إلى العشوائية في الانتقاء للروايات ومدى ملاءمتها مع من يريد كتابة مرحلة معينة من مراحل التاريخ  وحتى تعاملنا مع الوثائق إن توفرت يكون تعاملاً بعيدا عن الربط والاستنتاج خاصة إن الوثائق مادة خرساء في يد من لا يستنطقها ويحاول قراءة مابين أسطرها .وفي مرحلتي التاريخ الحديث والمعاصر للوطن العربي تأثر كتاب التأريخ بالمدرسة الرانكية التي ذاعت في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي في ألمانيا والتي استند إليها الحزب الاشتراكي الألماني بزعامة هتلر في ما أسماه ( صناعة التاريخ ) أي إن التاريخ يصنع  وقد تكون هذه العبارة صحيحة وفق سياقها التاريخي على اعتبار إن التاريخ مجموعة من الحوادث تحصل هنا وهناك ولكنها لا تصطنع، وهذه نقطة مهمة جدا، نقول بأن من كتب أو إعاد كتابة التاريخ في العصرين الحديث والمعاصر تأثر بهذه المدرسة لاسيما إن الموجه الأولى من المفكرين والمحدثين ضمن البعثات العلمية التي أتجهت إلى أوروبا  نهاية القرن السابع عشر كانت ذات اتجاهات قومية بحكم فترة الاحتلال العثماني للوطن العربي واتباعه سياسة التتريك وتأثيراتها على القومية العربية ، وهذا الاحتلال العثماني كان أحد عوامل تطور الحركة الفكرية العربية آنذاك ، وبالتالي فإن الموجة الأولى من المفكرين مثل عبد الرحمن الكواكبي وعبد الحميد الزهراوي وغيرهم كانوا يحملون أفكاراً قومية كانت قريبة جدا من المدرسة الرانكية في نظرتها للتاريخ  مما مهد الطريق لأن يكون التاريخ العربي مصبوغا بالصبغة القومية .وهذه الصفة ( أي صفة القومية ) انتقلت بفعل هذا التأثير التراكمي لأكثر من قرن من الزمن، وأدت إلى نشوء تيارات قومية في أماكن كثيرة من بقاع الوطن العربي ، هذه التيارات والأحزاب تمكنت في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية من الوصول للسلطة في بلدانها وفي مقدمتها تيار الضباط الأحرار في مصر بزعامة جمال عبد الناصر ، وفي مراحل وسنوات أخرى تمكنت الأحزاب والقوى الوطنية في دول أخرى من فرض سلطتها عبر الانقلابات في بلدان عديدة منها: سوريا والعراق ، وبلدان أخرى لم تكن فيها أحزاب بل أشخاص آمنوا بالقومية وتأثروا بها مثل: ليبيا والسودان ، وهذا ما جعل الوطن العربي يشهد مرحلة إعادة كتابة التأريخ وفق الرؤية الجديدة للتاريخ والنظر إليه من منظار قومي، على غرار المدرسة الرانكية ، مع بروز كتاب لديهم توجهات متطابقة  ورؤية لا تختلف كثيرا عن رؤية الأنظمة السياسية التي كانت في بداية نشأتها تبحث عن عوامل بقائها فلم تجد سوى القومية والتاريخ، ومنهما انتقلت لدمج التاريخ بالدين ومحاولة ربطهما مع بعضهما البعض ترابطا يجعل من الحاكم بمنزلة نصف إله كما كان سائدا في مصر القديمة أيام الفراعنة .هذه القراءة القومية للتاريخ كانت على حساب القوميات الأخرى المتواجدة في أرض العرب ، لا بل حتى كانت على حساب الديانات الأخرى أيضا بحكم إن مسارات التاريخ الجديدة التي خطتها أقلام السلطات تمكنت من إيجاد حلقات وصل وربط دائمية بين الرؤية الدينية للتاريخ ،والتاريخية للدين ، وبالتالي انعكس ذلك بشكل كبير على  حركة التاريخ نفسه عبر تغييب دور وأهمية القوميات الأخرى والديانات الأخرى .ويمكننا أن نستشهد هنا بحملة تهجير اليهود ما بعد الحرب الأولى بين العرب والاسرائيليين عام 1948، حملة التهج

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram