بعد غياب صوت العقل والحكمة عن الأرض السورية، منذ ما يقرب من عامين، سالت فيها الدماء أنهاراً، فإن أي مبادرة سياسية لحل الأزمة لم تعد مسموعةً ولا مرئية، بفعل تصاعد صوت الرصاص والقذائف، وسحب الدخان التي تقترب هذه الأيام من قمة قاسيون، وتحرق الغوطة التي ظلت رئة عاصمة الامويين، لم نعد نسمع صوت الأخضر الإبراهيمي، الذي غاب تاركاً لقوى المعارضة المسلحة أن تتقدم على الأرض، بالتزامن مع ما يمكن اعتباره توحيداً للقوى السياسية المناوئة للأسد، في تنظيم جديد يشق طرقه الدبلوماسية بسرعة، وتنفتح له أبواب العواصم الغربية والعربية، باعتباره ممثل الشعب السوري، في حين تنحصر قوى التأييد للنظام، في موسكو وطهران وضاحية بيروت الجنوبية.
لم يعد من محل للحوار بين طرفي النزاع، إذ يتمسك كل منهما بإقصاء الآخر، واليوم إذ تشتد وتيرة القتال، وتستخدم فيه صنوف الأسلحة كافة، فإن العالم ينتظر سقوط النظام، الذي لم يعد مستبعداً، أو الدخول في حرب أهلية مريرة وقاسية وكارثية النتائج، ليس سرا أن الاقليات ستدفع القسط الأوفى من ثمنها، وستمتد تداعياتها حتماً إلى كل دول الجوار، مع احتمال تطاير شررها إلى أرجاء الإقليم، حتى لو كانت بعيدةً نسبياً، ولعل الحديث عن منع اندلاعها، عبر التدخل العسكري الخارجي، بات اليوم مسموعاً عند الحدود مع تركيا، حيث تنتشر بطاريات الباتريوت الاطلسية.
سوريا اليوم في حالة إنهاك، يبدو أن الوصول اليها لم يتم اعتباطاً، ذلك أن تجاهل النظام للاحتجاجات الشعبية منذ بدايتها، والمضي في قمعها بكل قسوة، باعتبارها مؤامرة خارجية تقودها واشنطن والصهيونية العالمية، منح القوى الدولية المناوئة للأسد الفرصة الذهبية، إذ تحركت في مجلس الأمن لإدانته، مع قناعتها بأن الفيتو الروسي حاضر، ولم يكن التحرك الغربي، المدعوم من قبل معظم الدول العربية، ينطلق من الحرص على سوريا دولةً وشعباً، بقدر ما كان تحركاً مدروساً، لتحييد المنظمة الدولية بفعل الفيتو، وإظهارها أمام العالم كمنظمة مشلولة، وغير قادرة على المبادرة، أو اتخاذ القرار في الوقت المناسب.
اليوم تقف سوريا منتظرة التدخل العسكري، والنظام فيها يعتمد على مشاركة روسية في الدفاع عن بقائه، الجهود المبذولة من الأخضر الإبراهيمي، تبخرت على وقع هدير المدافع عند بوابات دمشق، والسيطرة شبه الكاملة للقوات المعارضة للأسد على مناطق واسعة في الشمال، بما فيها الجزء الأكبر من حلب، العاصمة الاقتصادية التي تمنعت طويلاً، قبل أن تجتاحها قوى الثورة، وتخوض فيها معارك يعتبر طرفا الصراع أنها مصيرية، وفي الجنوب يتحرك الثوار اليوم بحرية واسعة عند الحدود مع الأردن، وبات مؤكداً أن النظام فقد أي قدرة على الحسم العسكري، وهو ربما يكون اليوم بحاجة للتدخل الخارجي، ليكون قادراً على المشاركة مرغماً، في البحث عن مخارج تحفظ له ما بقي من ماء الوجه، إن وافق الثوار المنتصرون على منحه مثل هذه الفرصة، التي يبدو أنها باتت متأخرة كثيراً، ويفصل السوريين عنها بحر من الدماء.
سوريا.. هل اقتربت ساعة الحسم؟
[post-views]
نشر في: 3 ديسمبر, 2012: 08:00 م