مع حظر الأجواء التركية والأوربية على شحنات نقل السلاح إلى سوريا، ومع حاجة نظام بشار الأسد إلى الممر الجوي العراقي، فقد قدمت سوريا أواخر تشرين الأول الماضي الى السلطات العراقية طلبات تحليق من اجل منحها مجالا جويا لتحليق طائرة شحن تنقل مروحيات هجومية حديثة من روسيا إلى سوريا التي تكافح لقمع الانتفاضة، استنادا إلى وثائق حصلت عليها بروبابليكا.
وقبل عام استعاد العراق مجاله الجوي من الجيش الأميركي، وانه يتعرض لضغوط دبلوماسية شديدة من الولايات المتحدة لعزل نظام الأسد. من جانبها قالت تركيا انها اغلقت مجالها الجوي أمام الرحلات السورية واذا ما فعل العراق ذلك فان التجهيزات العسكرية ستنقطع عن سوريا عبر الجو، كما ان الاتحاد الاوربي كان قد فرض قيودا على نقل السلاح إليها جوا وبحرا.
حتى الآن لم يتضح ما اذا كان العراق قد سمح بذلك أم لا، فطائرة الشحن التي من المقرر ان تحمل المروحيات لم تقلع من موسكو في الوقت المحدد هذا الشهر مما يعني ان تلك الرحلة لم تتم بعد.
وتم تسريب بعض هذه الوثائق من قبل أشخاص بأسماء مستعارة، وأخرى حصلت عليها بروبابليكا نشرت في وقت سابق من أن سوريا قد حصلت على 240 طنا من العملة الورقية من روسيا خلال الصيف الماضي، لكن لم يتم لحد الان التحقق من هذه الوثائق بشكل مستقل. ويبدو ان الوثائق جميعها تحتوي على معلومات جديدة، حيث أنها تبيِّن أن بغداد قد طلبت مرارا تفتيش رحلات سورية أخرى تمر عبر العراق من ايران وروسيا حسبما اكد مسؤولون اميركان. واستنادا إلى احد طلبات التحليق المؤرخ في 30 تشرين الأول، فان المروحيات التي سيشحنها السوريون هي من نوع أم آي 25 المزودة ببنادق روسية، يشبّهها الخبراء بمروحية الاباتشي وبلاك هوك، حيث يمكنها اطلاق النار من الجو بالاضافة الى نقل الجنود.
وتعد هذه المروحيات مهمة جدا للقوة الجوية السورية في مقاتلة الثوار؛ اذ يقول جيفري وايت رئيس قسم استخبارات الشرق الاوسط في وكالة استخبارات الدفاع سابقا ويعمل حاليا في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "إنها مروحية عسكرية مدرعة يصعب على الثوار إسقاطها".
وقال مسؤول دبلوماسي أميركي ان الولايات المتحدة تعمل مع الحكومة العراقية لإيقاف هذه الرحلات، "قمنا بحث العراقيين مباشرة على وجوب تفتيش تلك الرحلات او رفض طلبات التحليق اذا كانوا يعتقدون ان الأسلحة مشحونة الى سوريا ". الا أن وزارة الخارجية الأميركية ومسؤولي البنتاغون لم يوفرا معلومات عن الطلب الخاص المذكور في الوثائق، ولم يعلق المسؤولون في العراق وروسيا على الموضوع.
وكان نظام الأسد ولا يزال يحاول قمع الانتفاضة الشعبية على مدى سنتين مما أودى بحياة عشرات الآلاف من المواطنين خلال القتال. من جهته قال رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف إن شحنات السلاح هي جزء من صفقة قديمة مع الجيش السوري "للدفاع ضد الاعتداءات الخارجية، وعلينا الايفاء بالتزاماتنا"، مضيفا ان روسيا سبق أن واجهت معارضة قانونية بعد تعليق بعض شحنات السلاح الى إيران.
وتجد سوريا صعوبة في نقل المروحيات؛ ففي حزيران اجبرت شاحنة جوية تحمل ثلاث مروحيات من روسيا الى سوريا على العودة بعد اعتذار شركة التأمين عن تغطية الشاحنة استجابة للعقوبات المفروضة. وبعد شهر من ذلك فشلت محاولة ثانية لتسليم المروحيات عن طريق البحر. وتبين الوثائق الجديدة ان سوريا تخطط لاستخدام خطة شحن (اليوشن 76) لنقل المروحيات من مطار رامنسكوي المعروف ايضا بمطار زوكوفسكي بالقرب من موسكو. ويصف المانفيست الشحنة بأنها "مروحيات قديمة بعد التصليح". وثيقة اخرى –مرسلة الى السفارة السورية في بغداد – تبين ان المروحيات هي من نوع ام آي 25.
ويقول ريك فرانكونا –الذي كان يعمل ملحقا جويا في دمشق في سنوات التسعينات– ان استخدام طائرة شحن بدلا من الشاحنة الجوية يوحي بأن اليأس بدأ يتسرب الى نظام الأسد.
ومن جانب آخر عبّر مسؤولون اميركان عن خيبة أملهم بروسيا فيما يتعلق بالصراع في سوريا. وتقول الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية فكتوريا نولاند "اعتقد أننا واضحون في -السر والعلن- بشأن الدول، بضمنها روسيا، التي تقدم الدعم لنظام الأسد بأي شكل كان سواء أكان دعما عسكريا او اقتصاديا او سياسيا". وفي حزيران قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بان الاعانة الروسية لسوريا من خلال المروحيات الهجومية ستسهم في تصعيد الحرب الأهلية الى حد كبير.
وكانت السجلات التي حصلت عليها بروبابليكا تتضمن أسماء 150 مصنعا لتصليح الطائرات كمستأجر لرحلات نقل المروحيات. كما تبين الوثائق أن الشركة تعمل بموجب العقد المؤرخ في 27 تشرين الثاني 2005، عنوان المستأجر المثبت هو في كالينينغراد – وهي مقاطعة روسية بين بولندا وليتوانيا تضم منشآت عسكرية روسية. بالنسبة للشحنات الحالية، فان سجلات الشحن تبين بان طائرة الشحن السورية ستتبع طريقا ملتويا عند عودتها من موسكو حيث تطير فوق اذربيجان وايران قبل عبورها العراق. وكان المجال الجوي العراقي مسيطرا عليه من قبل القوة الجوية الأميركية منذ الاجتياح عام 2003. في الواقع ان نموذج طلب التحليق المستخدم من قبل سوريا بخصوص المروحيات هو نموذج خاص بالقوة الجوية الأميركية ولازال يحمل البيانات القديمة للقيادة الجوية الإقليمية التي لم تعد في موقع المسؤولية. وفي العام الماضي بدأت الولايات المتحدة بنقل مسؤولية مراقبة الحركة الجوية إلى سلطة الطيران المدني العراقية، وبدأ العراقيون يتولون السيطرة على هذا القطاع في تشرين الأول 2011.
عن: بروبابليكا