TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > احتكارٌ مشروع

احتكارٌ مشروع

نشر في: 3 ديسمبر, 2012: 08:00 م

في بعض مرات دخولي الانترنت، بغرض إرسال أو استقبال ملفات، أشعر برهبة وأنا أقف إزاء هذه الذاكرة الافتراضية الواسعة. اسأل نفسي: أين تذهب مليارات الملفات التي تتحرك كل يوم بين المستخدمين؟ كم هائل من المعلومات يتنقل بين أطراف الأرض بسرعات مخيفة جداً. وغالباً ما تُحفظ هذه المعلومات في أماكن لا اعرف عنها أي شيء. الأمر الذي يجعلني أخاف من هذا تطور ذاكرة هذا الكائن الذي نسميه الانترنت ومن تزايد احتكاره لنا.

بعض الأحيان يسرح بي الخيال بعيداً، أقول لنفسي: لماذا لا نخاف من أن تتحول هذه التكنولوجيا في يوم من الأيام إلى وعي هائل ومستقل؟ ماذا ينقصها وقد زودناها بكل مقومات الوعي الفذ.. فهي مزودة بمعالجات ضخمة وتمتلك ذاكرة كبيرة جداً تحتوي على بيانات هائلة. إذاً هي لا تحتاج المزيد، فنحن البشر لا يلزمنا من أجل أن نفكر سوى الذاكرة، وآليات المعالجة الموجودة في المخ، والتي نستخدمها لنعالج بها معطيات الواقع مع خزين الذاكرة. نحن دائماً نفعل ذلك، فمثلاً، خلال تجوالنا في شارع عام، تقوم عقولنا بعمليات مقارنة سريعة بين الوجوه التي تمر علينا وبين صور الوجوه المخزونة في ذاكرتنا، حتى إذا جاءها مؤشر بأن أحد هذه الوجوه معروف استدعت، سريعاً، المعلومات المتعلقة بدرجة معرفته، ومدى أهميته، من أجل أن تتخذ القرار المناسب حول كيفية التعامل مع صاحبه. هذا ما يحدث لنا يومياً ولا نشعر به. لكن الإنترنت تفعل ذلك يومياً، وبسرعة تساوي أو تفوق سرعة عقولنا. أنا على الأقل أحس بذلك كلما استخدمت الكوكل، إذ نادراً ما اسأل هذا البرنامج عن شيء ويعجز عن الإجابة عليه. صحيح هو لا يفعل شيئاً أكثر من مقارنة السؤال المطروح بالبيانات الموجودة عنده، ويستدعي، بالترتيب، أكثر البيانات مشابهة للسؤال المطروح. لكن أليس هذا ما تفعله عقولنا خلال عمليات التفكير؟ ثم، لم لا تكون هذه بداية نمو وعي افتراضي مستقل؟ ستقولون؛ هذه الفكرة وغيرها الكثير مما عالجته أفلام الخيال العلمي غير واقعية، وهي غير ممكنة، لأن الوعي حتى يستقل يحتاج إلى تبلور مفهوم الأنا، الذي يتأسس على الأحاسيس والمشاعر، والكومبيوتر الذي صنعه الإنسان عاجز عن الإحساس. إزاء هذا الرأي لا يبقى أمامي إلا التنازل عن فكرتي المفرطة في خياليتها، لكن دعوني أسألكم الأسئلة التالية:

أليست لديكم مخاوف من هذه الذاكرة الافتراضية الكبيرة، والتي نغذيها بالمعلومات يومياً؟ ألا تراودكم شكوك حول طبيعة الجهات التي تحتفظ بها وتمتلك حق التصرف بها؟ ألا تعتقدون بأن كل ما خف حمله وغلا ثمنه من المعلومات والبيانات والعلوم والأسرار وووو، موجود في هذه الذاكرة؟ طيب ما الذي يمنع تطورات العولمة التي أفرزت هذه التكنولوجيا من أن تحولها إلى شيء ما، مشروع مثلاً، مشروع مختلف ولا يمكن التحكم بنتائجه؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram