اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > قـصـتـان قـصـيـرتــان

قـصـتـان قـصـيـرتــان

نشر في: 26 نوفمبر, 2010: 05:01 م

سعد محمد رحيم1ـ تلك السماء بيضاءإلى جانب سياج الساحة، ليتقي ريح كانون الباردة، وينعم بالشمس، وقف التلميذ الجديد.. كان شاحباً، ونظراته شاردة.. لم يقترب منه أيّ من زملائي بناءً على نصيحة المعلم لنا؛ ـ احذروا، في أنفاسه جراثيم معدية.
   اقتربت منه، تاركاً بيني وبينه مسافة مترين.   ـ أنت التلميذ الجديد؟.   نظر إليّ، كأنما مستغرباً من غباوة سؤالي. وهزّ رأسه.. لم أجد ما أقوله له.. قال بصوت واهن مشروخ؛    ـ أرى السماء بيضاء.   ـ ربما لأنك حدّقت في الشمس.   ـ لم أحدّق في الشمس.   بعد فترة صمت قصيرة قلت؛    ـ لو أخذت علاجاً ستشفى.    ـ لا يفيد.   ـ وما أدراك أنت؟.   ـ أدري.   ـ كلنا نمرض ونشفى.   ـ هذا ليس مرضاً.   ـ وما هو؟.   ـ إنه الموت.   شعرت وكأنه ابتلع الكلمة الأخيرة، غصّ بها.. أنقذني من مواصلة هذا الحديث القاسي معه رنين الجرس.    في الصف جعلوه يجلس وحده. وطوال يومين متتاليين لم يسأله المعلم عن أي شيء. وربما حسدناه لأنه معفى من العقاب البدني. في بدء الدرس الأول من اليوم الثالث داهمته نوبة سعال، ثمّ بصق دماً.. خرج المعلم بسرعة ليعود بعد دقيقة مع المدير، وعامل التنظيف الذي أمسك التلميذ الصغير بأصابع وجلة من ساعده ليقوده بعيداً عنّا قبل أن ينتشر بيننا المرض.   وهو يخطو خارج الصف التفت إلينا.. أحسست أنه يخصني بنظرته التي لم تستغرق أكثر من ثوانٍ قليلة.. نظرة تحتشد بالألم والشفقة على الذات.. نظرة فيها شيء من الامتنان والأسف والحسرة.. نظرة وداع لابد من أن تملؤك بالأسى.. نظرة لن أنساها ما حييت، وما زالت تغمرني، بين الآونة والأخرى، ومنذ اثنتين وأربعين سنة، بالأسى ذاته، وبالندم، كما لو أنني اقترفت ذنباً ما بحقه، لا أعلم ما هو.   في تلك الليلة التي هطل طوال ساعاتها المطر، بقيت سهراناً حتى وقت متأخر.. رأيته يحمل عصا في طرفها صرّة معقودة ويمضي في درب مضبب موحش وطويل وحده.. لم أتبعه.   لمّا استيقظت كان الصباح مشرقاً.. في الطريق إلى المدرسة فوجئت بتابوت يخرج من زقاق يحمله بضعة رجال.. سمعت شاباً  يخبر صاحبه؛   ـ مسكين، كان مسلولاً.. سكنوا البلدة منذ أسبوع.   تولتني مشاعر مضطربة، الجزع والحزن والإحساس بالضياع. وتناهبتني أسئلة عصيّة.. لم أعرف اسمه.. لم يسأله أيّ منّا عن اسمه، ونسيت أن أسأله أنا؛ ( ما اسمك؟ ) حين تحدثت معه في ساحة المدرسة.    رحت أمشي، ليس باتجاه المدرسة، وليس نحو البيت.. بدوت وكأنني أعرفه منذ سنين، واغرورقت عيناي بالدموع.. حدّقت خلل الدموع إلى السماء.. كانت بيضاء.. في تلك اللحظة، وددت لو كان التلميذ الجديد معي، إذن لأخبرته أن السماء تغدو بيضاء إذا نظرنا إليها بعيون دامعة.rn2ـ ذلك الببغاء الأخضر الصغيرالببغاء الأخضر الصغير في قفصه يبدو ضجراً، لا يأبه لنظرات المرأة السمراء الفضولية المحدِّقة فيه.   ـ أنا سعيد لأنك هنا، معي.   ـ لا أظن أن الببغاء سعيد في قفصه.   الرجل ذو الفم الشهواني يُشعل سيجارة.   ـ تعرفين كم يهمني شأنك.   تقضم المرأة السمراء، ذات البشرة الناعمة، التفاحة الحمراء التي تمسكها، وتسأل؛   ـ ماذا يأكل الببغاء؟.   يومئ الرجل أحمر الوجه، ذو الفم الشهواني، بإصبعه للنادل النعسان؛   ـ زجاجة شراب.   يأتي النادل بزجاجة شراب، يصب منها في كأسين.. المرأة السمراء ذات الأنف الجميل الدقيق، ترشف من كأسها، من غير أن تحيد بنظرها عن الببغاء.   ـ هذا النوع لا يجيد الكلام.   ـ أي نوع؟.   ـ الببغاء.   ـ آه.   يشرب الرجل الأصلع ذو الفم الشهواني ما في كأسه دفعة واحدة.   ـ طالما حلمت بهذا اللقاء.   ـ إذن لم تقل لي ماذا يأكل الببغاء؟.   ـ يأكل أي شيء؟.   ـ ماذا لو أطعمه حبة عنب.   ـ هم لا يشجعون إطعام طيورهم.   الرجل الأصلع ذو الفم الشهواني يُشعل سيجارة أخرى من عقب سيجارته الأولى.   ـ طالما حلمت بامرأة مثلك.   ـ ترى أين يبيعون الببغاوات؟.   ـ تبدين اليوم أجمل من أي يوم رأيتك فيه.   ـ هل تعرف كم سعر ببغاء مثل هذا؟.   ـ بقيت أراقبك ستة أشهر.   المرأة السمراء، ذات الشعر الأسود الطويل المرسل على ك

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram