حسين علي الحمدانيبين الحين والآخر نجد ثمة دولة معينة تمارس دورها في المنطقة تحت تأثيرات حاجة دول المنطقة لمبادرات من شأنها أن تنزع الكثير من القنابل الموقوتة التي من الممكن أن تنفجر في أية لحظة يشاء البعض تفجيرها لمصالح خاصة .
ومنذ أشهر وجدنا التحركات التركية تنصب جميعا في مسار بلورة أفكار مشتركة مع العرب للوصول لحلول من شأنها أن تجعل منطقتنا منطقة أمن وسلام . فهل باتت تركيا أقرب لقضايا العرب من العرب أنفسهم ؟ وكيف نفهم الدور التركي في قضايانا ؟ وما ذا تريد تركيا ؟يبدو لي بأن تركيا الاردوغانية قريبة جدا من ملامسة الوضع العربي بكل تفاصيله ، وتعرف كيف تتحرك ومتى ، وهي بالتالي لا تبحث عن مجد من خلالنا بقدر ما هي تريد أن تمنح نفسها فرصة أن تكون اللاعب الإيجابي في المنطقة ، وربما طالعنا بعض المقالات التي حاول كتابها ربط مواقف تركيا الأخيرة بمحاولة استعادة مجد الدولة لعثمانية ، والكثير من تلك المقالات كانت بشكل أو بآخر ضد التحركات الدبلوماسية التركية في منطقتنا لأسباب كثيرة منها أن الدور التركي بإمكانه إلغاء الكثير من المحاور العربية التي تتحرك وفق مقتضيات مصالح ضيقة للأنظمة العربية التي يحاول البعض منها أن يتربع على عرش الزعامة العربية وهذا ما ولد تقاطعات كثيرة في المواقف العربية خاصة ما يتعلق منها بملف لبنان الذي تحاول أطراف عربية عديدة أن تجعل من لبنان أرضاً لحسم صراعاتها مع بعضها البعض ، وكذلك صراعها مع إيران من جهة ومع إسرائيل من جهة ثانية عبر دعم طرف على حساب الآخر. وعلى ما يبدو فإن تشتت القيادات العربية واضمحلال تأثير الحلول التي تطرح سواء من قبل القادة العرب أو عبر الجامعة العربية ، دفع بتركيا لأن تستثمر الإخفاقات العربية المتتالية من أجل تأسيس قناعات لدى الغرب وخاصة الولايات المتحدة بأنها – أي تركيا – بإمكانها أن تمارس دورها كراعي سلام في المنطقة ، وهذا ما لاقى استحسان الجميع بوقت مبكر حين رعت المفاوضات غير المباشرة بين السوريين والإسرائيليين ومهدت الطريق لما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب من مفاوضات مباشرة ، ناهيك عن دورها في الاتفاق الثلاثي الموقع ما بين إيران وتركيا والبرازيل في ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم رغم ما تعرض له هذا الاتفاق من انتكاسات في ما بعد .ما يلفت النظر في تحركات الدبلوماسية التركية إنها لا تنتظر الضوء الأخضر من أحد لكي تتحرك عكس النظم العربية في المنطقة التي لا يمكنها أن تتحرك إلا من خلال رسائل وإيحاءات من أمريكا بالذات ، وهذا ما تجلى بشكل واضح وكبير في قضايا عديدة في المنطقة في السنوات الماضية .وعلى ما يبدو فإن تركيا لديها تصوراتها لقضايانا العربية وتصارعنا الداخلي ، ولديها في نفس الوقت الحيادية لكونها ليست سبباً لأية أزمة سواء في لبنان أو غيرها وبالتالي فإنها تتحرك وفق ثوابت مصالحها التي تتركز في المرحلة الحالية بتبوّؤ مكانة دولية كعنصر ايجابي في صنع السلام في منطقة متوترة تمهيدا لتحسين صورة تركيا وقبول عضويتها في الاتحاد الأوروبي الذي عانته تركيا في العقد الماضي رغم المحاولات العديدة .وبالتالي فإن تركيا بإمكانها كما قلنا أن تصنع السلام في ربوعنا ، خاصة إنها لا تضع في تعاملاتها خطوطا على هذا وذاك من الأطراف المعنية سواء في لبنان أو فلسطين وحتى الملف العراقي الذي كان للأتراك رؤيتهم فيه، وربما لاقت بعض أفكارهم التي طرحها وزير الخارجية في أكثر من لقاء جمعه مع صناع القرار في العراق ، نقول ربما وجدت الأفكار التركية طريقها للنقاش والقبول في الملف العراقي خاصة وإنها تمثل شريكاً قوياً للعراق في مجالات عديدة أهمها: الجانب الاقتصادي وحجم التبادل التجاري بين البلدين .وتمثل زيارة أردوغان الأخيرة لبنان ، توجه تركيا الحثيث لأخذ دورها خاصة وسط توترات يعيشها الوضع اللبناني تنذر بحرب داخلية أو حرب محتملة مع إسرائيل، وجهة النظر التركية تركز على لبنان لا يتحمل مزيداً من الحروب والمنطقة لا تحتاج حروباً جديدة غير متكافئة ، خاصة إذا ما كان طرفها إسرائيل ،لاسيما إن الحرب الأخيرة كانت كارثية على لبنان من حيث حجم الخسائر في البنى التحتية .وقد تكون ملابسات القرار الخاص بمحاكمة المتهمين بقضية اغتيال رفيق الحريري الشرارة التي تسعى تركيا لنزع فتيلها من لبنان ومحاولة تهدئة الأوضاع العامة في هذا البلد الذي تتصارع فيه قوى إقليمية منذ سنوات وتجنب توترات ما بين الفرقاء اللبنانيين أنفسهم الذين يرتبط الكثير منهم بتحالفات ومحاور مع دول عديدة في المنطقة.ومن هنا نجد الترحيب اللبناني الكبير بزيارة أردوغان ناجماً من حاجة جميع الفرقاء في لبنان لحمامة سلام حتى وان كانت تركية من شأنها إبعاد شبح الحروب عن هذا البلد الذي عانى كثيرا في السنوات الأخيرة .فهل تنجح تركيا في مساعيها أم للفرقاء رأي آخر؟
هل تأتي الحلول من تركيا ؟
نشر في: 26 نوفمبر, 2010: 05:19 م