TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > على خطى بيرنارد شو وأوسكار وايلد

على خطى بيرنارد شو وأوسكار وايلد

نشر في: 4 ديسمبر, 2012: 08:00 م

لم تكن هناك لحظة، نسي فيها أوسكار وايلد، أن يكون فيها داندياً، فبشكل ما حرص دائماً وفي كل مكان، أن يكون أسطة في تقديم نفسه. من غير المهم، أين كان يذهب: كان مفاجأة في ظهوره. البعض كان يعتقد، أنه من غير الممكن، تجاهل حضور الكاتب الناجح، بسبب ضخامة جسمه، 190 سم، لكن، كلا، لم يُلفت أوسكار النظر لذلك السبب فقط، إنما كان يمنح نفسه الوقت الكافي للوقوف أمام المرآة، يجهد نفسه ساعات طويلة، ليجعل شكله، ابتداءً من الملابس وحتى تصفيف شعره، الذي تركه يطول لينزل على رقبته، وحتى وضعه الدائم لزهرة الليلك في ثقب السترة. لكن في 20 نوفمبر  1895 وصل وضعه التراجيدي الكوميدي إلى أعلى مراحله، فبدل ذلك الرجل الأنيق والوسيم، وقف أوسكار بملابس السجين والكلبجة في يديه، أكثر من نصف ساعة تحت  المطر على رصيف محطة "غلافام جينكشون" وسط غوغاء هائجة، صراخها هاج هنا وهناك، بين تهديدات ساخرة وشتائم غاضبة. السبب الذي اختفى وراء ذلك، ما حدث في انكلترا وكل شخص بات يعرفه: لقد حُكم على وايلد بسبب "ارتكاب أعمال مخلة بالشرف"!

مسرحياته الكوميدية التي كانت تُعرض توقفت عروضها فجأة، أما كتبه فقد اختفت من الأسواق. بسرعة شُطب اسمه من لوحات الشرف في المدارس والجامعات. كونستانسة، زوجته، هربت مع ولديهما "سيريل وفيفيان" باتجاه إيطاليا وغيرت اسمها إلى "هولاند". عندما أُطلق سراح وايلد من السجن في 19 مايو 1897، لم يعد أوسكار ذلك القديم: كان محطماً من جميع النواحي: صحياً ومالياً واجتماعياً. بعد 18 شهراً من ذلك التاريخ في 30 نوفمبر 1900 توفي في باريس.

إن كل ما ملكه أوسكار وايلد من تفرد، وروح تميل للدعابة المتطرفة، زائداً ميوله الأدبية، وحبه للأسطورة، كل ذلك وغيره من الصفات التي صنعت خصوصيته، حمله معه من دبلن. البيت في "ماريون سكوير"، حيث انتقلت عائلة وايلد للسكن فيه في العام 1855 بسنة واحدة بعد ولادة أوسكار، كان مسرحاً للصالون الأسطوري الذي أسسته أمه ولنشاط أبيه العلمي والأدبي، الذي كانت في الحقيقة وظيفته الأصلية طبيباً للعيون. أوسكار وايلد الشاب كان استثنائياً منذ صغره، حريصاً على تطوير ميوله العبقرية، ففي إحدى رحلاته المبكرة للولايات المتحدة الأميركية، لم يخجل من التوضيح: "ليس عندي ما يخضع للجمارك غير عبقريتي".

حتى الآن ما تزال "ساحة ماريون" واحدة من أجمل الأماكن في مدينة دبلن. بيوت أنيقة مبنية على طراز المعمار الجيورجي، مزودة ببوابات ضخمة وملونة، تتقدمها حديقة صغيرة، والتي يسكنها الآن ـ بدل عوائل البورجوازية المتوسطة ـ الطلاب الذين يدرسون في "ترينيتي كوليج" القريبة. المكان يعج بالسياح أيضاً، وحول الساحة تصطف بنايات مهمة عديدة: متحف التاريخ الطبيعي، المتحف الوطني وبنايتا مجلس البرلمان ومجلس اللوردات.

أم أوسكار وايلد، السيدة جين فرانسيسكا وايلد، واظبت على نشر ما تكتبه خلال سنوات المجاعة الإيرلندية في أربعينات القرن التاسع عشر تحت الاسم المستعار "سبيرانسا"، والذي كان عبارة عن بيانات تحريضية ضد الإنكليز على شكل قصائد نضالية. "الكتابة من أجل الحصول على المال أكثر مللاً من الكتابة للثورة". كتب أوسكار وايلد.

ولأن الأم ظلت سنوات طويلة مخلصة لفكرة النظام الجمهوري، ضد التاج البريطاني، فهي ما زالت تتمتع حتى اليوم في وطنها باحترام خاص على عكس ابنها أوسكار، الذي كان الفن بالنسبة له يخلو من كل غرض، شعاره: الفن للفن". مسرحياته تُمثل كثيراً على المسرح، لأن السياح القادمين من كل العالم يريدون ذلك"، يعلق السيد "غير لوبي" ( دليلنا في رحلتنا الأدبية في دبلن) من متحف الكتاب في دبلن، الواقع عند ساحة "بارنيل سكوير" والذي يوثق حياة وأعمال الكتاب الأيرلنديين، منذ جوناتان سويفت مروراً بجيمس جويس وبرنارد شو وصاموئيل بكيت.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: براءة نور وتابعه هيثم !!

العمود الثامن: نشيد عالية وأخواتها!!

الذين يتمسحون بأذيال السيستاني

العمود الثامن: ألف حزب وحزب

العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

العمود الثامن: في محبة المرأة

 علي حسين أصبح العالم اليوم مسكونًا بشيء اسمه المرأة، فلم يعد من الممكن تشكيل برلمان أو حكومة في أي بقعة من العالم من دون النساء، ذهب العصر الذي كانت تشكو فيه سيمون دو...
علي حسين

قناديل: اليسار الجديد: أصولية عابثة وعُصابٌ جمعي

 لطفية الدليمي تتكرّرُ على مسامعنا كثيراً عبارةٌ قالها (غوبلز) وزير الدعاية النازية: كلّما سمعتُ كلمة (الثقافة) تحسّستُ مسدّسي. اليوم صار كثير ٌ منا يتحسّسُ رائحة أزمة عالمية النطاق كلّما سمع مفردة (الجديد) ملحقةً...
لطفية الدليمي

قناطر: مسلسل معاوية... جرُّ القناعات الى مسلخ الأوهام

طالب عبد العزيز مع أنَّ كلَّ تعريف للتأريخ يرجع الى وجوب توافر الوثيقة، إذْ لا تأريخ بدون وثيقة، إذْ أنه الأحداث والوقائع التي تقدّمها لنا الوثائق والمصادر، كما تعرف كلمة 'التاريخ' في اللغة العربية...
طالب عبد العزيز

جامعة بغداد، منارة العلم والمعرفة في قلب العراق

محمد الربيعي جامعة بغداد صرح علمي شامخ، واحد ابرز منارات المعرفة في العراق والعالم العربي. تاسست عام 1957، لكن جذورها تمتد الى بدايات القرن العشرين مع تاسيس كليات الحقوق والطب والهندسة. لعبت الجامعة دورا...
د. محمد الربيعي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram