المدى – تبارك عبد المجيد
تحولت زرقة سماء الحيدرية في محافظة النجف إلى اللون الأسود، بفعل انبعاثات الدخان من "كور" الطابوق غير القانونية، ولم يتوقف الضرر على تغيير لون السماء، بل امتد إلى الواقع البيئي والصحي في المنطقة. اما محاولات إزالتها فقد باءت بالفشل، لوجود سلطة تعلو على القانون.
يقول مسؤول شعبة التوعية والاعلام البيئي في محافظة النجف حيدر سالم، إن "دور مديرية البيئة يتمثل بالرقابة ورصد المخالفات والتجاوزات على البيئة واتخاذ إجراءات قانونية أو تنسيقية أو توعوية، فضلاً عن إعداد تقارير بعد الجولات الميدانية لتوثيق كافة التفاصيل وإرفاقها إلى الجهات ذات العلاقة؛ محافظ النجف ونائبه ورئيس لجنة حماية وتحسين البيئة"، وأشار الى انعقاد جلسات شهرية، يطرح خلالها كافة المشاكل البيئية في المدينة.
وعن معامل الطابوق، يبين لـ(المدى)، أن "بعض "كور" الطابوق تقع في ناحية الحيدرية شمالي محافظة النجف، اما العدد الاكثر فيتواجد في ناحية الخيرات التابعة لمحافظة كربلاء"، وأوضح انها "ليست معامل بل (كور)". ووفقاً لسالم فأن كور الطابوق تُعد "مشاريع تجاوز"، حيث لم يتم اصدار أي موافقات رسمية بحق أنشائها، كما أنها تستخدم مواد ضارة بالبيئة وغير قانونية، وأكد أن "حل المشكلة يتم عبر إزالتها لا إغلاقها"، محملاً الجهات الأمنية مسؤولية ذلك، لوجود تدخل عشائري.
ويوضح أكثر: "هناك محاولات سابقة جرت بشأن إزالة "كور الطابوق"، من قبل مديرية البيئة وقائممقام الحيدرية وبعض القوات الأمنية، لكنها فشلت بسبب الاصطدام مع الأهالي والعشائر"، ويتابع "يتم التعامل مع القوات الأمنية في المدينة من منطلق عشائري، ما يتطلب تدخلا أمنيا من خارج محافظة النجف".
ولم تتوقف المخالفات القانونية عند ذلك، بل حتى الأراضي التي انشأت عليها كور الطابوق تعود الى الدولة، وهي أراضي ذات اصول زراعية، بحسب ما أضاف سالم.
ويكمل: "سابقاً، اعتقل عدد من أصحاب الكور وتمت محاكمتهم، مما أدى الى تراجع اعداد الكور قليلاً"، وعن إجراءات مديرية البيئة، يؤكد وجود استمرارية في "عملية الرصد والمراقبة، كما تمت مفاتحة الإدارات المحلية لإزالة التجاوزات على اعتبارها الجهة المسؤولة عن ذلك، ومخاطبة الجهات الأمنية لمتابعة المشكلة بالإضافة إلى مخاطبة عقارات الدولة ومديرية الزراعة لاتخاذ الاجراءات القانونية بحق من يستغل أراضيها"، وأضاف، أن "المديرية طالبت الجهات الأمنية بوضع حواجز امنية تمنع دخول المركبات التي تنقل النفط الأسود لكور الطابوق".
سببت "كور الطابوق" غير القانونية، ازمة بيئية وصحية في منطقة الحيدرية، حيث كَثرت حالات الاختناق وارتفعت اعداد الإصابات بالسرطان بين الأهالي، يقول الصحفي محمود رياض وهو أحد سكان الحيدرية، إنه "في بعض الأيام تجاوزت حالات الاختناق عتبة الـ100 شخص، نُقل بعضهم إلى مستشفى الحكيم والصدر في مركز المدينة، لعدم قدرة مستشفى الحيدرية استيعابهم جميعاً".
ويؤكد لـ(المدى)، أن معامل الطابوق في المنطقة تعد منشآت عشوائية وغير نظامية، وبالرغم من المناشدات الكثيرة من قبل الأهالي وممثلي الحيدرية في مجلس المحافظة من أجل إزالة هذه الكور، الا أن وجود سلطة أكبر تتمثل بالمال والنفوذ لمن يدير هذه المعامل، حال دون إيصال صوت ومطالب الناس.
ويشير إلى أن "مرض السرطان بدأ ينتشر بشكل مخيف في المدينة، حيث تم تسجيل العديد من الوفيات خلال السنوات الأخيرة"، وأضاف أن "مناطق الريف هي الأكثر تضرراً وتسجيلاً لحالات السرطان، فيما يوجد مركز واحد فقط متخصص لعلاج السرطان في المحافظة"، وأشار الى ان غالبية الافراد لجأوا للعلاج خارج البلد. وبحسب رياض، فأن "إجراءات الوقاية للحفاظ على أرواح الناس وضمان الحياة الكريمة التي نص عليها الدستور، غائبة تماماً"، ونوه بأن المواد التي تستخدم في المعامل وطرق جلبها، تعد غير شرعية، حيث يتسبب النفط الأسود المستخدم بارتفاع نسب الاحتباس الحراري، بالتالي ارتفاع درجات الحرارة والتلوث البيئي.
ويشدد على استمرار المطالبات بإزالة معامل الطابوق في الحيدرية، على الرغم من عدم الاستجابة للمناشدات السابقة، من قبل الجهات المعنية.