TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الطائفية والعرقية وما بينهما

الطائفية والعرقية وما بينهما

نشر في: 4 ديسمبر, 2012: 08:00 م

إن لكل مرحلة تاريخية مفاهيمها ومصطلحاتها وغالبا ما تُنتج هذه المفاهيم ضمن صيرورة المجتمع وحيثيات تشكله ،فالحداثة وما بعد الحداثة والعولمة وغيرها هي نتاج لحركة المجتمعات الغربية العلمية والصناعية ،وبمرور الوقت تصبح هذه المفاهيم مفردات يومية في حياة المواطن وجزءا من هويته الذاتية والاجتماعية فيتطابق السلوك والذائقة والتفكير ونمط العيش والنظرة إلى الذات وإلى الآخر والموقف من الحاضر والتطلع إلى المستقبل مع الإطار الذي حددته المفاهيم المنطقية والفلسفية التي اجترحتها البنى المجتمعية وحركتها التصاعدية..لم يكن يُسمع في السابق ، بشكل شائع، مفاهيم مثل الطائفية والعرقية وقد اقتصر تداولها عندما انحدرت المجتمعات بسبب ظروف موضوعية خلقتها إرادات تعمل خارج منطق التاريخ متمثلة بالدكتاتوريين الذين ظهروا كالقراد من بين طيات جلود مجتمعاتهم ،وفي غفلة من الزمن وفي أحايين أخرى كانوا صناعة أجندات خطرة أرادت بهم تحقيق مآربها الشوفينية والنزعات المرضية الدموية..الكل يتذكر هتلر وموسوليني وبينوشيت وصدام حسين وأصنام الربيع العربي الذين تساقطوا واحدا تلو الآخر وغيرهم الكثير ، عبر التاريخ ،ممن حفل سجلهم بالبشائع والموت والظلام ، هؤلاء الملوثون عقليا حين ينفردون بالحكم تنتج معهم مفاهيم الطائفية والعرقية والعنصرية والعشرات من المصطلحات المركبة بدهاء في مختبرات الفناء والكراهية والدمار..إن هذه المفاهيم العصابية تصبح مفردات يومية في حياة المواطن المبتلى بهم وجزءا من هويته الذاتية والاجتماعية ونمطا للعيش والتفكير، لذا ما أن يتهاوى الدكتاتور حتى يظهر إلى السطح أبناؤه الذين زرعهم في رحم مجتمعه وهم يتمثلون خطاه وأسماءه ويقلدون كل حركاته وأفانينه في إلغاء الآخر وتغييبه وشن الحروب وافتعال أزمات سياسية واجتماعية لا تنتهي حلقاتها على طريقة المسلسلات التركية والأجنبية ،وهذا ما لمسه المواطن في أرض الكنانة حين تهاوت دكتاتوريات الربيع العربي فظهرت إلى السطح قوى طائفية وعرقية وعنصرية كانت مختبئة خلف ظلال الدكتاتور وما أن تلاشى حتى بانت جلية واضحة أمام أنظار الجميع وابتكرت بشاعات لاتقل عما كان يمارسه الدكتاتور لا بل قد تجاوزته عملا بالمثل الشعبي ( صانع الاستاد استاد ونص ) فأصيبت الجماهير المتضررة من الدكتاتورية بخيبة أمل قاتلة ثانية حتى أن بعض اليائسين تمنوا لو بقي الدكتاتور فقد كان قبحه واضحا جليا لكن الصورة الآن أصبحت مشوشة ،فالطائفيون والعرقيون الآن بألف وجه وتتبدل أشكالهم وألوانهم حسب الظرف السياسي وتقلبات مزاج العامة من الناس..الدكتاتوريون يظهرون في زمن تراجع الحياة ونكوصها وهم ولادة اجتماعية شاذة يدخلون بلدانهم في أزمات متتالية ،يشيعون الجهل ويحاربون المنطق العلمي وتغرق مجتمعاتهم بالأوهام والخرافات ويسلبون إرادة الناس ،عندها يكون سلوك أفراد المجتمع غرائزيا كي يبقوا أحياء، وليس هناك من همّ عند الغرائزي إلا بالحفاظ على نفسه ومصالحه وليذهب الآخرون إلى الجحيم فتظهر التكتلات الطائفية والعرقية وتنحدر الأمور إلى الأسوأ ويصبح التفكير عند الطائفة بان ما سواهم من الطوائف والأديان الأخرى كفرة ومزورون للشرع الإلهي وللحقائق والتاريخ ومن أهل جهنم الدائميين لا يستحقون الحياة وأعداء أبديون يجب القضاء عليهم لأن هؤلاء يزاحمونهم العيش ضمن الرقعة الجغرافية ويقاسمونهم حقهم الإلهي والطبيعي في السلطة والثروة وحتى الهواء ،وهذا ما نلاحظه من استئثار للسلطة من قبل طائفة دينية تشكل الأغلبية في مجتمعها وحرمان الآخرين من الطوائف والأديان الأخرى أبسط مقومات العيش ، أما العرقيون فيعتقدون بأنهم سلالة إلهية خالصة ناصعة زرقاء الدم يربطون نسبهم بالمقدس والأنبياء ،يجب أن يحكموا الأرض وما على الأقوام والأعراق الأخرى إلا أن تكون عبيدا لهم فيسومون الآخرين الموت والإقصاء والدونية ..إن مستقبل المجتمعات الإسلامية المتخلفة التي تعمل خارج منطق العقل والتاريخ هو في ابتكار الحروب الطائفية والعرقية وهذا ما تمر به الآن المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج..الطائفيون والعرقيون أبناء زنى أنجبهم الدكتاتوريون حين اغتصبوا عفة وشرف مجتمعاتهم ، لقد كان الطائفيون والعرقيون النغوليون أوفياء لآبائهم الدكتاتوريين الزناة وحملوا بأمانة جيناتهم وصفاتهم الوراثية المشوهة ، جميعهم الآن يتصارع بالمسدسات الكاتمة وبالفساد المالي والسياسي والعبوات الناسفة والسيارات المفخخة وتحشيد الجيوش القومية على حدود المحافظات المختلطة المتآخية طوائفها وأعراقها لطرد أحلامها البريئة في العيش الآمن الغافية في عيونها منذ آلاف السنين والخاسر الوحيد هو المواطن الواعي المسكين الذي يقف بعيدا عن التعصب الطائفي وعن الانتساب العرقي الشوفيني.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: الكاتب الحقيقي

العمودالثامن: جمهورية قص اللسان

العمودالثامن: مطاردة الرأي الآخر!!

ضجيج الدجاجة:عندما يتحول الصخب إلى أداة لتسويق الوهم

العمودالثامن: حكاية علي الوردي وشباب الناصرية

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر باخبار الموت والفجائع، والصمت العالمي، في كل يوم تواجه بهذا السؤال الأزلي: لماذا تكتب عن...
علي حسين

باليت المدى: في مرسم غوستاف كليمت

 ستار كاووش ما أن وضعتُ قدمي في مدينة فيينا، حتى بدأتُ أفكر بمرسم غوستاف كليمت الذي يقع في ضاحية هيزتنخ خارج فيينا. قمتُ بجولة صغيرة ثم تبضعتُ بعض الاشياء التي أحتاجها، وانتظرت حتى...
ستار كاووش

كيف ساهمت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والبرمجة التجسسية في هذه الحرب؟

د. محمد حسين الرفاعي ضمن فرضيات تفسيريَّةٍ فاهِمَة، هي تحيا وتعيد بناء ذاتها من تحت القصف، ومعاينة أحوال نازحين والمشردين، في مواجهة الموت على نحو وجودي عميق؛ هذه المواجهة التي كنتُ قد جرَّبتها ببغداد...
محمد حسين الرفاعي

بينما يحترق الشرق الأوسط، ما الذي يتطلبه إنهاء الصراع؟

بول آدامز* ترجمة: عدوية الهلالي مع الهجوم على إسرائيل ومعاناة غزة من التفجيرات المدمرة، شعرنا وكأننا نشهد نقطة تحول.لقد انفجر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مرة أخرى، بعد أن غاب لسنوات عديدة، ويبدو أن الأمر فاجأ...
بول آدامز
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram