TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > تقديس الموطن

تقديس الموطن

نشر في: 4 ديسمبر, 2012: 08:00 م

فارق كبير بين هذا العنوان وعنوان مقال الزميل سعدون محسن ضمد في صحيفة المدى ، وعنوانه ( توطين المقدس )، فالاخ ضمد يريد ان يعطي بعدا ( قطريا ) للمقدس ، وكذلك بعدا قوميا في التعاطي معه ، ويستخلص على اساس ذلك نتائج مقالته ، فهو يعد النبي الاكرم محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) سعودي الولادة والانتماء ، كما هم ائمة اهل البيت عليهم السلام .

لكن ما فات السيد ضمد هو ان البعد الذي يتعاطى به المسلمون مع نبيهم الاكرم ، بل وسائر الانبياء هو بعد متعدي للحدود الجيوسياسية الحديثة، بل ان اصل بعثة النبي هو القضاء على هذا البعد ، كونه بعدا معطلا لحركة الانبيا ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير) ، ولهذا كان الاسلام ولازال يحارب الضغينة العرقية والاثنية ، كونه دين عالمي يتعاطى مع الانسان بمعيار انسانيته ( الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق )، لا بمعيار انتمائه ، لهذا لم نجد مدحا لقومية دون اخرى او عرق دون اخر في نظرية الاسلام .

ان الاسلام ونبيه الذي رفع سلمان الفارسي ووضع شريف قريش ابا لهب ماكان لينظر الى البعد القومي ، او الانتماء الاجتماعي او المناطقي ( القطري ) في تعاطيه . بل ان التعاطي الديني على اساس الاحساب او الانساب او الانتماء لدى اي قوم انما هو امتداد للثقافة الجاهلية المترسخة لدى البعض ، لذا قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه واله وسلم ، ثلاثة من الجاهلية ، الفخر بالاحساب ، والطعن في الانساب ، والدعاء بدعوة الجاهلية )

وان هذا البعد ( ان اكرمكم عند الله اتقاكم ) هو الذي جعل الفارسي يذيب فارسيته وشخصيته بهوية الاسلام الجديد ، ، بل وان علو وابتعاد بعض العرب عن نبي الاسلام واعتدادهم باصنامهم وجاهليتهم هو الذي ابعدهم عن الاسلام وهويته .

ولهذا ايضا فان تقديس الشيعة لبعض المناطق التي تتواجد فيها اضرحة ائمة اهل البيت ، بسبب وجود تلك الاجساد الطاهرة فيها ، فالمقدس هو الذي يفضي التقديس على الارض والوطن ، بغض النظر عن انتماء تلك الارض الاجتماعي او المذهبي ، لهذا تجد ان مدينة مشهد ( الايرانية ) لاتقل قدسيتها عن مدينة كربلاء (العراقية ) ، كما هما لايقلان عن المدينة المنورة ( السعودية ) في التقديس ، فهما في التقديس سواء لوجود المقدس فيها ، وليس العكس .

فلايمكن النظر الى النبي الاكرم وبعض ائمة اهل البيت على انهم (سعوديو) الانتماء ، كما لاينظر الى الامام علي بن موسى الرضا على انه (ايراني) الانتماء، ولو نظر اليهم بهذا المنظار لاختلفت نسبة الولاء بناءا على ذلك ، فانت تجد ان بعض الايرانيين اكثر ولاءا ربما من بعض العراقيين للحسين وابي الفضل العباس ( عليهما السلام) ، كما قد تجد ان بعض العراقيين اكثر ولاءا وتقديسا للامام الرضا ( عليه السلام ) من بعض الايرانيين ، وهذا ناتج من عدم النظر الى خلفية المقدس العرقية والاثنية او المناطقية .

ان اضفاء البعد السياسي ( الاقليمي او المحلي ) على قداسة المقدس هو محاولة اخرى لافراغ هوية المقدس من محتواها ، وجرها الى دائرة الصراع السياسي الضيق ، والذي من شانه ان يشوه الصورة الحقيقية لهوية المقدس ويقزم من رسالته ودواعي تقديسه .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram