شهادة د.شجاع العانيلم اعرف الدكتور الدوري عن قرب، فقد كان استاذاً في كلية الاداب حينما كنت انا في عام 1959 طالباً في المرحلة الاولى، وكان يقال ان ثمة طالباً واحداً يستطيع اللحاق بمحاضرة الدوري وتسجيلها لانها تتكون من خمس وثلاثين صفحة
وكان الطالب في قسم التأريخ، وشاهدت الدوري يقف في المحكمة العسكرية الخاصة شاهداً وعرفت ان الرجل كان مسؤولاً عن الثقافة في حلف بغداد او النقطة الرابعة ثم حين اجريت الانتخابات لانتخاب رئيس لجامعة بغداد في عهد قاسم فاز الدوري لكن اسماعيل عارف وزير المعارف آنذاك اصدر بياناً عين فيه عبد الجبار عبد الله عالم الفيزياء المعروف رئيساً لجامعة بغداد، في تلك المرحلة بدأت اقرأ كتابات عبد العزيز الدوري وبخاصة كتابه المعروف اقتصاديات العراق في القرن الرابع الهجري ثم قرأت له بحثاً عن جذور الاشتراكية العربية، ويبدو ان الرجل كتبه للرد على الاشتراكية العلمية وعلى الماركسية، لكنه انتهى إلى نتيجة مفادها ان المجتمع الاسلامي لو تطور بشكل طبيعي ولم تسقط بغداد على يد المغول سنة 1258م، لكان المسلمون والفكر الاسلامي قد توصل إلى الاشتراكية العلمية قبل الغرب، وقد رأيت هذا الكراس وكراساً آخر هو أيضاً عن الاسلام والاشتراكية بيد شاب سوري في دمشق وحين سألته اين يدرس هذه الكتب وفي أي كلية؟ قال انها مقررة عندهم في حزب البعث الاشتراكي ومن المعروف ان الجناح السوري يوصف آنذاك باليساري بينما يوصف الجناح العراقي باليميني. وقد انطلق الدوري من كون رافق الانتاج الكبرى في الاسلام كالماء والمعادن وغيرها بيد الدولة كما ان الخليفة عمر بن الخطاب ابقى حين فتح العراق، ارضه ملكاً للدولة، وقد اذهلني كتابه (اقتصاديات العراق) لما فيه من تفسير مادي للتأريخ يتناقض مع آيديولوجيته وحياته اليومية، وهكذا انطوى العالم الكبير الدوري على ما ينطوي عليه كبار الادباء في التأريخ مثل بلزاك وتولستوي وغيرهما. وشكراً للمدى اذ تحتفل بذكرى عالم عراقي كبير وجليل وسنكون في مصاف المجتمعات المتقدمة عندما يحتفل المجتمع العراقي كله بعلمائه ومثقفيه الكبار.العلامة عبد العزيز الدوري، وعلى الضد من مفكرين اسلاميين معادين للاشتراكية ومناصرين للرأسمالية (كالباكستاني أبي الاعلى المودودي) وقد خلص الدوري إلى نتيجة مفادها ان الاشتراكية العلمية هي نتاج الثورة الصناعية في الغرب، ولكن الدولة الاسلامية لو تطورت بشكل طبيعي ولم يحدث احتلال بغداد عام 1258م لتوصل المسلمون إلى انتاج النظرية الاشتراكية العلمية وهو تطور عده تطوراً طبيعياً للفكر الاسلامي.ملخص القول ان الذات المعرفية للدوري قد تختلف او تتناقض مع الذات التأريخية، فالمؤرخ فيه قد يتناقض في تفسيره المادي للتأريخ مع آيديولوجيته او حياته السياسية فقد كان عالماً عراقياً جليلاً وكبيراً مات ودفن خارج العراق كما مات ودفن غيره، الجواهري والبياتي وآخرون ولن نكون مثقفين حقاً او متحضرين، الا حينما نعمل على ان يكون العراق احق من غيره بعلمائه وادبائه وفنانيه، وترى العراق احق بان يضم رفات هؤلاء بعد ان يغادروا هذا العالم.في اوديب، الاسطورة والمسرحية، ان ثيبا وغيرها من مدن الاغريق كانت تتنافس على دفن اوديب في ثراها قبل موته حين كان يعيش اواخر حياته في كولون. فمتى تنافس بغداد مدن العالم على ضم علمائها وادبائها وفنانيها ومثقفيها، ومتى تنافسهن على دفنهم في ثراها الطاهر.
عبد العزيز الدوري.. عالم عراقي جليل
نشر في: 26 نوفمبر, 2010: 09:13 م