علاء المفرجي
لم أحض بفرصة مشاهدة هذا فيلم كوبولا الجديد "ميغالوبوليس" للمخرج الكبير فرانسيس كوبولا حتى هذه اللحظة، بسبب عرضه الأول في مهرجان كان الذي مازال منعقدا حتى الان، والذي أثار جدلا واسعا لكني قرأت كثير من الانطباعات الأولية عن الفيلم من قبل نقاد عرب وأجانب. وما لفت نظري هو هو استعانة كوبولا بممثل لم يبدأ مسيرته السينمائية سوى عام 2010، وهو الممثل الأميركي المنطلق بسرعة الى البروز والشهرة "آدم درايفر".
هذا الممثل الذي استطاع برفعة إدائه والكاريزما التي يتوافر عليها، فضلا عن الأدوار المختلفة التي تصدى لها ببراعة المقتدر، خلال مسيرته الفنية القصيرة نسبيا، أن يقنع كبار المخرجين الأمريكان، والذي يعرف عنهم حساسيتهم باختيار الممثل، أن يضموه الى قائمة الممثلين الذين يستعينون بهم، بل تجرأ هؤلاء الى منحه البطولة المطلقة في أهم أفلامهم. وهو هنا يذكرنا بعبقرية الإداء الممثل دانيال دي لويس، وهما و – يا للمصادفة – بدأت انطلاقتهم الفنية من خشبات برودواي ثم على الشاشة الفضية.
قبل ان ينخرط درايفر مع هؤلاء المخرجين، كان قد حقق حضورا كبيرا في أوائل عام 2014 في دور الشرير كايلو رين في سلسلة أفلام ستار ووردز: في (القوة تنهض) والذي اعاده في (الجيداي الأخير) فكتب أحد النقاد الامريكان: "إن جوهر (الجيداي الأخير) من هذه الثلاثية برمتها، هو شخصية الشرير كايلو رين التي أداها درايفر والذي يُعد أكثر وحش بشري روعة في السينما".
وقبل فيلم كوبولا الأخير، جسد درايفر دور فرانسيسكو غاروبي في فيلم "الصمت" المنتج عام 2016 مع المخرج مارتن سكورسيزي، وعندما بدأ سكورسيزي في البحث عن ممثلين. كان مقترحا أن يؤدي الدور ممثلون بينهم دانيال داي لويس، وهي مصادفة أيضا أن يحل محله درايفر. و"صمت" هو فيلم ملحمي مأخوذ عن رواية يابانية بنفس العنوان للكاتب شوساكو إندو. كتب سيناريو الفيلم -بمشاركة سكورسيزي "جون كوكس" وهو كاتب سيناريو فيلمي سكورسيزي عصر البراءة (1993) وعصابات نيويورك (2002). وتدور أحداثه القصة في القرن 17 عن كاهنين يرتحلان من البرتغال إلى اليابان للبحث عن كاهن ضاع في أحد رحلات التبشير. في زمن القصة كانت اليابان تحت حكم توكوغاوا وكانت المسيحية مضطهدة وكان المسيحيون يتخفون. رشح الفيلم لجائزة الأوسكار لأفضل تصوير سينمائي. اختاره معهد الفيلم الأمريكي كأحد أفضل عشرة أفلام لعام 2016.
وفي نفس العام، يقتفي جيم جارموش في فيلم باترسون خطى الشاعر وليام كارلوس ويليامز في قصيدة الملحمية "باترسون"، وباترسون هو اسم المدينة وأيضا أسم شخصية، ويجسده في هذا الفيلم آدم درايفر، وهو الشاعر الذي يعمل سائقاً للباص في المدينة وعاش حياة مسترخية مع زوجته الشابة، ويكتب الكثير من القصائد والتي تُعجب بها زوجته، وهي مؤمنة إنه سيكون شاعراً كبيراً.
الشخصية هنا لاعلاقة لها بالشاعر أو سيرته، وحتى القصائد التي يقيها خلال مشاهد الفيلم فهي منسوبة لشعراء آخرين وليس لويليامز.. فالفيلم هنا هو المعادل البصري لقصيدة ويليامز في تفاصيلها الحياتية والجمالية، حيث القصيدة الملحمية تستلها جماليات المكان وهو هنا مدينة باترسون. وقد أدى درايفر الدور بشكل ملفت.
في فبلم كوبولا "ميغالوبوليس"، الذي تدور احداثه في منطقة تحمل اسم روما الجديدة، وهي نسخة موازية لنيويورك الحديثة، مليئة بالحفلات الماجنة والتماثيل المتهالكة، وتستضيف سباق عربات وجولات مصارعة يونانية. يؤدي درايفر دور سيزار كاتلينا، وهو مهندس معماري حائز على جائزة نوبل، عازم على استخدام قواه في تحويل المدينة من كل ذلك الى مدينة استشرافية.
ويبدو أن مسيرة درايفر بعد هذا الفيلم لعبقري الإخراج فرانسيس كوبولا، قد استوفت براهين الإداء واكتملت مواهبها.