هادي عزيز علي
في بيانها الاول وهي تكبر بالمواطنين الروح الوطنية الوثابة فانها على ثقة واطمئنان بأن تعهد الامر الى حكومة تنبثق من الشعب وتعمل بوحيه ويتم تحقيق طموحه المختار في تأليف حكومة جمهورية شعبية تتمسك بالوحدة الوطنية وتلتزم بالعهود والمواثيق الدولية وتعمل بمبادىء الامم المتحدة رائدها في ذلك مصالح الوطن والمواطنين، وعليه فان الثورة تعلن النظام الجمهوري وتعده خيارا ستراتيجيا للشعب العراقي وهي بذلك تقدّر الكلفة البشرية الباهضة التي قدمها العراقيون من اجل الوصول الى هذا الهدف النبيل.
تمسك العراقيون بهذا المنجز الثمين ودفعوا الغالي والنفيس للاحتفاظ به مواجهين العواصف والاعاصير والمحن والدسائس التي كانت تستهدف الوليد الجديد التي حيكت من قبل دول كبرى معلومة النوايا او من دول اخرى في محيطنا الاقليمي او من بقايا العهد البائد محليا. الا ان صمود الشعب واصراره على مكتسباته وعلى مر العقود ومع اختلاف الحكومات التي تعاقبت على الحكم فان النظام الجمهوري بقي شجرة وارفة الظلال تمتد بجذورها في عمق تربة الوطن وبذلك ترسخ النظام الجمهوري الوارد نصه في بيان الثورة واصبح خيارا عراقيا رائدا.
وتمضي السنين بوتائر متباينة في الرؤى والقناعات وعلى اختلاف وتبدل الحكومات المتعاقبة الا ان النظر للنظام الجمهوري بقي ولم يتبدل. اخيرا وليس اخرا ترسو سفينة الوطن عند النظام السياسي الحالي الذي تشكل بعد الغزو الامريكي للعراق سنة 2003 وعلى ما له وما عليه، فأنه سعى لرسم هويته من خلال الخطاب السياسي الديني والانحياز الى الهوية الجزئية ومع ذلك فله نشاط ملحوظ في طرح المبادارات واللقاءات وتكوين الرؤى والافكار واستعان بتوجيه المؤسسة الدينية المتمثلة في مرجعية النجف الاشرف من اجل وضع دستور جديد له وكان له ذلك اذ تمت كتابة مسودته المتكونة من 144 مادة موزعةعلى مواضيع مختلفة. اشترطت مادته الاخيرة ولكي تكون نصوصه نافذة ان يحوز موافقة الشعب عليه باستفتاء عام وينشر في الجريدة الرسمية. فكان له ذلك اذ تم الاستفتاء عليه في 15 تشرين الاول 2005 وبعد عشرة ايام من فرز الاصوات اعلنت اللجنة الانتخابية الموافقة عليه ونشر في الجريدة الرسمية ومنذ تاريخ نشره عد دستور 2005 دستورا لجمهورية العراق وان النصوص الواردة فيه تشكل القواعد الدستورية كونها الاسمى تشريعا على بقية التشريعات.
ومن ضمن النصوص الاسمى فيه خيار جماهير المستفتين عليه المنصرف الى اختيار: (نظام الحكم جمهوري) المادة (1) من الدستور، هذا الخيار الرسمي والموثق في دفاتر الدولة ومدوناتها. يتماهى قطعا مع الخيار المؤسس للنظام الجمهوري الذي اعلنه المؤسسون في صبيحة 14 تموز 1958 انه النص الاسمى المجمع عليه عراقيا وهذا الاجماع الذي يرسخ القناعة باسباب التاسيس واحكامه. وبالمحصلة فان النظام الجمهوري وعلى الرغم من مرور اكثر من ستين عاما على التاسيس فان قناعات الجماهير به لا خلاف عليها منذ تأسيسه والى يومنا هذا فهو يحتفظ ببريقه الذي انطلق في لحظاته الاولى محصنا من احكام التقادم والشيخوخة فتيا يصلح وبامتياز الى ايامنا هذه. وان اقرار النظام الجمهوري في الدستور الجديد يعني مباركته وتأييده منذ ساعة ولا دته الى ساعة الاستفتاء عليه، اي ان نصوص الدستور الحالي تعد كاشفة لنصوص التاسيس، اما التاسيس فله ظرفه وزمانه وواضعيه الذي نال الرضا والقبول والتبجيل حتى بقي كما هو في اعتبار المشرع الدستوري الحالي. اذن نص بهذا الحجم وبهذا الموقع في مدونة التشريعات وبهذا السمو في المضامين وبهذه الديمومة المتعاقبة زمانيا وبالنزعة الجماعية للتمسك به فضلا عن المنزلة الفضلى في قلوب الناس كل ذلك وعلى الرغم امن ختلاف الاهواء والامزجة والنوايا والرؤى والمفاهيم والديانات والطوائف الا انه استحق القبول والرضا لكونه يشكل هوية وطنية. فالبناء المؤسسي المشتمل على هذه الاوصاف مجتمعة والمجمع عليه جماهيريا الا يستحق فعلا ان يكون عيدا وطنيا لكونه يشكل ذاكرة الوطن وهويته ويعد سمة متميزة من سمات الشعب العراقي. لذا فان محاولات شطبه من قائمة الاعياد يعد تعطيلا لارادة الجماهير وقناعتها.
السلطات المحترمة لتاريخ بلدانها هي من تفعل ذلك وتصنع اعيادهاالوطنية، البلدان الحية هي من تدرس ابناءها منجزها التاريخي وهي التي تحتفي وتحتفل به ويبقى علامة مضيئة في ذلك التاريخ ودوننا يوم 14 تموز في فرنسا وهو تاريخ الاحتفال بعيدهم الوطني منذ الثورة الفرنسية اذ بقيت قدسيته على الرغم من تعاقب الجمهوريات، اذ جاءت الجمهورية الأولى في 21ايلول 1792 وقامت بالغاء الملكية وانشاء الجمهورية الذي يتكرر عيدا وطنيا في ضمائرالفرنسيين كل عام، كما تبنته الجمهورية الفرنسية الثانية والتي امتدت من 25 شباط 1848 ولغاية 2 كانون الاول 1851 فضلا على ابقائه عيدا وطنيا في فترة الجمهورية الثالثة الممتدة من 4 كانون الاول ولغاية 10 تموز 1905 والامر ذاته للجمهورية الرابعة الممتدة زمنيا من 27 تشرين الاول 1946لغاية 4 تشرين الاول 1958 واستمر الاحتفال بالعيد الوطني لليوم ذاته خلال مدة الجمهورية الخامسة من 4 تشرين الاول 1958 فترة حكم الجنرال شارل ديغول مرورا بالرؤساء كافة حتى الرئيس الحالي ماكرون من دون تبديل او تغيير وهكذا يكون الامر لكل من يحترم شعبه وتاريخه.